حيدر صبي
في خضمّ التحولات المتسارعة على الساحة العراقية واسقاطات الفاعل الإقليمي عليها ، برزت اليوم رسائل تحذيرية شديدة اللهجة من واشنطن ، إذ كشف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في خطابه الموجه إلى الحكومة العراقية ، والذي حمل إنذاراً واضحاً وصريحاً ، ” أي حكومة عراقية قادمة تضم في صفوفها فصائل مسلحة او شخصيات او احزاب سياسية او قوائم انتخابية مواليه لايران ومصنفة في لوائح الارهاب الامريكية ومتورطة في استهداف المصالح الأمريكية،
لن تكون شريكًا مقبولًا لدى الإدارة الأمريكية ” !! .
روبيو، وفي نص رسالته التي كشفت عنها وسائل إعلام عراقية (برنامج من الأخير على قناة السومرية) ، حدد بالإسم هذه الفصائل التي تشكل جوهر التحذير الأمريكي ومع ان القناة لم تذكر تلك الفصائل بأسمائها الا انها عرضت كرسالة مكتوبة فكان اسم :
(( كتائب حزب الله ، الذي كان لديها تمثيل سياسي غير مباشر مع تحالف الفتح عبر شخصيات مقربة منها امثال ” احمد محسن الفرطوسي و فاضل الفتلاوي ” ، والآن هي داخلة بتمثيل سياسي ضمن قائمة خدمات ، عصائب أهل الحق ، ممثلة سياسياً بحركة صادقون ،
حركة النجباء والمصنفة كمنظمة ارهابية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ، لها حضور سياسي فعلي داخل المشهد العراقي عبر التحالفات والأذرع غير المباشرة ،
كتائب سيد الشهداء ، وجناحها السياسي حركة سيد الشهداء ،
سرايا الخراساني ، وجناحها السياسي يمثله “حزب طليعة الخراساني” المشارك في انتخابات عام 2004 ،
وكتائب الإمام علي والتي يعرف عنها انها الأداة الإقتصادية للحرس الثوري الإيراني ولديها نفوذ وعلاقات عميقة مع عدد من الاحزاب السياسية الشيعية وجناحها السياسي حركة خدمات. هذه الفصائل ، هي ما ذكرها روبيو اضافة لأسماء قيادات كبيرة ك ” فالح الفياض ” امين عام حزب حركة عطاء ، وابو ولاء الولائي ،الذي يرأس حركة سيد الشهداء السياسية ، و احمد الاسدي الذي يرأس حركة السند الوطني السياسية ، و حيدر الغراوي ، مؤسس حركة انصار الله الأوفياء المدعومة من ايران ، وابو تراب الذي زعم ترك العمل العسكري ليدخل العمل السياسي وحسب لقاء سابق له على ان الاوساط السياسية عدتها مجرد حركة قام بها ابو تراب ليوصل رسالة للأمريكين لاغير )) . على مقلب آخر هناك شخصيات وأحزاب ورغم انها ذكرت برسالة روبيو التحذيرية الّا انّ تحالف ( البناء والتنمية ) التابع لرئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني قد شكّل معها إئتلافاً واسعاً ضمّ كل من (( إئتلاف الوطنية بزعامة أياد علاوي ، تحالف إبداع كربلاء برئاسة محافظ كربلاء الحالي ، نصيف جاسم الخطابي ، تجمع بلاد سومر بقيادة وزير العمل الحالي أحمد الأسدي ، تجمّع أجيال برئاسة وزير الصناعة السابق محمد صاحب الدراجي ، تحالف الحلول الوطني يقوده محمد الصيهود ، تحالف العقد الوطني بزعامة رئيس هيأة الحشد الحالي فالح الفياض ، اضافة الى تيار الفراتين الذي يتزعمه السوداني نفسه )) .
وبحسب رسالة روبيو ، ان تلك الفصائل ليست مجرد تشكيلات مسلحة ، بل أذرع مباشرة لإيران داخل العراق ، هي متورطة في هجمات ضد القوات والمصالح الأمريكية .
الرسالة الأمريكية ، وإن جاءت بعبارات رسمية ، إلا أنها كانت صريحة وشفافة في التهديد ومن خلال :
▪️ تمرير قانون الحشد الشعبي بصيغته الحالية سيؤصل لتغول اكثر للنفوذ الإيراني داخل مؤسسات الدولة ويقوّض سيادة العراق .
▪️ واشنطن لن تدعم حكومة تموّل أو تمنح هذه الفصائل موقعًا رسمياً .
▪️ ستفرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية صارمة على قطاع الطاقة العراقي ، وستستهدف شبكات التمويل المريبة حتى لو طالت مسؤولين حكوميين .
▪️ سيتم خفض أو إنهاء المساعدات الأمنية الأمريكية وتغيير مسار العلاقات بين البلدين جذريًا .
في الوقت الذي تتصاعد فيه هذه التحذيرات ، جاء المشهد الإقليمي ليزيد من توتر الموقف ، ويضعف من علاقة العراق مع شريكة الاستراتيجي الولايات الامريكية المتحدة ، اثر وصول رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني قبل يومين في زيارة لبغداد ، وقّع بخضمها مع مستشار الأمن القومي العراقي اتفاقية أمنية تحمل أبعاداً استراتيجية تعطي لايران مساحات اوفر من الحركة داخل الحدود العراقية والتحرك المباشر نحو اي هدف تجده ايران مهدداً لأمنها القومي . واشنطن من جهتها ، عدّت الخطوة هذه عبارة عن تعزيز إضافي لنفوذ طهران في العراق ، ورسالة تحدٍّ مباشرة للولايات المتحدة ، بل وتجاوز لخطوطها الحمراء .
واذن فالتقارب العراقي الإيراني على المستوى الأمني ، بالتزامن مع منح هذه الفصائل شرعية رسمية ، وفيما اقر قانون الحشد سيضع العراق أمام خيارين لا ثالث لهما :
امّا الانحياز الكامل إلى محور إيران وتحمل تبعات العزلة الدولية والعقوبات التي قد تشل اقتصاده ، أو إعادة النظر في هذا المسار لتجنب مواجهة مباشرة مع واشنطن وحلفائها .
إن ما تحذر منه الإدارة الأمريكية ليس مجرد ورقة ضغط دبلوماسية ، فالتجارب السابقة تؤكد أن واشنطن لا تتردد في استخدام أدوات الضغط القصوى من العقوبات المالية والتجارية وسعيها لشلّ قطاعات حيوية في الدول التي تراها خارجة عن خطّها . ومع هشاشة الوضع الاقتصادي العراقي واعتماده الكبير على الدعم الدولي ، ناهيك اعتماده الريعي على ايرادات النفط المسيطر عليها من قبل الفيدرالي الأمريكي ، فإن أي تصعيد من هذا النوع ستكون له آثار كارثية على الدولة والشعب .
وكخاتمة فالرسالة الأمريكية واضحة وحاسمة ( لا حكومة عراقية مقبولة لدى واشنطن إذا كانت تحتوي في صفوفها الفصائل التي ذكرها روبيو ) . وما بين ضغوط الحليف الإيراني وتحذيرات الشريك الأمريكي ، يقف العراق على حافة توازن دقيق ، قد ينهار في أي لحظة ، ليدخل في مرحلة عزلة وعقوبات ، سيدفع ثمنها المواطن العراقي وقبل السياسي وفيما لم تحسن قيادات العراق السلوك السياسي وتجهد نفسها للخروج من قاع ايران وكما تفعل لبنان حالياً .
حيدر صبي
