فلاح الكلابي
كل يوم نسمع عن شاب أو فتاة أنهوا حياتهم فجأة البعض يمر على الخبر سريعاً لكن الحقيقة أن الانتحار لم يعد حادثة نادرة، بل صار مرآة لأزمة عميقة يعيشها شبابنا.
الانتحار لا يحدث بلا مقدمات. خلفه سلسلة من الضغوط والأوجاع المتراكمة ، اضطرابات نفسية تثقل الصدر خلافات عائلية تعصف بالبيوت، أزمات اقتصادية تسد الأفق، وشعور عام بالوحدة وانسداد الطريق. وسط كل هذا، يطل الخطر الأكبر المخدرات والكحول.
المخدرات اليوم لم تعد مجرد عادة سيئة، بل تجارة رائجة تستهدف الشباب مباشرة. شباب في مقتبل العمر يجدون أنفسهم بين أيدي تجار يبيعون لهم الوهم. يظنون أنهم يهربون من الألم المؤقت، لكنهم يدخلون في حلقة أعمق من العجز واليأس. الكحول والمخدرات ترفع الاندفاع، وتُضعف السيطرة، وتخدر التفكير، فيصبح قرار الانتحار أسرع وأقرب. كثير من الحالات التي سمعنا عنها لم تكن بعيدة عن هذه الدائرة المظلمة.
المشكلة أننا لا نصغي للإشارات. كلمات عن الموت أو تلميحات باليأس تُقابل أحياناً بالاستهزاء أو التجاهل “تكبر وتنسى” “أنت تبالغ”
لكن أي حديث عن الرغبة في الغياب يجب أن يؤخذ بجدية كاملة. المنتحر غالباً لا يريد الموت، بل يريد أن يوقف الألم الذي لم يجد من يفهمه.
المسؤولية هنا تبدأ من العائلة. الإصغاء هو خط الدفاع الأول. كلمة حانية، حضن صادق، أو مجرد إنصات بلا حكم… قد تغير مسار حياة بأكملها. المجتمع أيضاً مسؤول. ثقافة السخرية من الضعف أو اعتبار الاستشارة النفسية عيباً يجب أن تتغير. كلنا شركاء في إنقاذ الأرواح الأصدقاء، المعلمون، الجيران، لا أحد معفى.
الحل ليس مستحيلاً … الوقاية تبدأ من التوعية بخطورة المخدرات والكحول على الشباب، ومنع انتشارها في المدارس والجامعات والأحياء. توفير مراكز علاج نفسي ودعم سري للشباب ضرورة لا ترفاً. الإعلام يجب أن يتعامل مع الظاهرة بمسؤولية، فينشر قصص النجاة، لا أن يكتفي بعناوين مأساوية. والدولة مطالبة بتشديد الرقابة على تجارة السموم التي تحصد الأرواح في صمت.
الانتحار ليس قدراً محتوماً. هو مرض يمكن الوقاية منه. كل شاب يرحل بهذه الطريقة هو خسارة لفرصة، لفكرة لحياة كاملة كان يمكن أن تُعاش. الانتحار ليس موت فرد بل فضيحة جماعية يفضح عائلة لم تصغي، ومجتمعاً لم يحتضن، ودولة لم تحمي .
فلننتبه. لنأخذ كلمات شبابنا على محمل الجد. فالصمت قاتل، والمخدرات وقود لهذا الموت الصامت.
