بقلم : سيف الحمداني
في السنوات القليلة الماضية، شهدت العاصمة بغداد توسعًا لافتًا في بناء المجمعات التجارية الكبرى، أوما يُعرف بـ“المولات“، حتى باتت هذه البنايات الزجاجية تطل من كل زاوية وتتنافس في ارتفاعها وتألقهاوشعاراتها اللامعة. مشهد قد يُبهج العابر ويمنح المدينة شيئًا من مظاهر الحداثة، لكنه يطرح في جوهرهعلامات استفهام مقلقة: ما الجدوى من كل هذا البذخ المعماري في بيئة اقتصادية مأزومة؟
الاقتصاد العراقي يعاني من تذبذب واضح، ينعكس مباشرة على المواطن الذي يشكو من غلاء المعيشةوتراجع القدرة الشرائية، في ظل بطالة متفاقمة وغياب السياسات الاقتصادية المنتجة. ومع ذلك،يتسابق المستثمرون نحو إقامة مزيد من المولات، وكأنهم يعوّلون على جمهور استهلاكي ضخم، قادرعلى دفع فواتير هذه المشاريع الضخمة.
لكن الواقع مختلف. فمعظم تلك المراكز تعاني من ركود تجاري واضح، وأغلب زوارها يكتفون بالتجوالأو التقاط الصور دون إتمام أي عملية شراء. وهنا تُطرح الأسئلة الجدية: من المستفيد من هذا التوسع؟وهل باتت المولات غاية في حد ذاتها، أم أداة استثمارية موجهة نحو الربح العقاري وليس التنميةالاقتصادية؟
يرى مختصون أن هذا التوجه يعكس اختلالاً في أولويات التنمية. ففي الوقت الذي تحتاج فيه بغدادوبقية المحافظات إلى استثمارات في التعليم، والصحة، والصناعة، والبنية التحتية، يجري ضخ أموالطائلة في مشاريع استهلاكية بحتة، تفتقر إلى القيمة الإنتاجية وتُسهم في تعميق الفجوة بين العرضوالطلب.
وما يُعزز من هذه المفارقة، أن معظم هذه المولات لا تحتضن علامات تجارية عراقية أو مشاريع شبابيةناشئة، بل تُحجز واجهاتها لأسماء أجنبية أو محلات باهظة الثمن، مما يُقصي الشريحة الأكبر منالمواطنين، ويحوّل هذه المراكز إلى واجهات طبقية أكثر من كونها مرافق عامة.
في النهاية، لا أحد يعارض التمدن والتطور العمراني، لكن التطور الحقيقي لا يُقاس بعدد المولات ولابلمعان الزجاج، بل بمدى ما تقدمه المدن من فرص معيشية كريمة، وعدالة اقتصادية، وبيئة داعمةللإنتاج، لا للاستهلاك الأجوف.
ربما حان الوقت لوقفة مراجعة حقيقية: هل نحن نُشيّد مدنًا نابضة بالحياة… أم نُجمّل واجهاتها لستر ماهو أعمق وأخطر؟