أخبار محلية و عالمية

عيوب التأسيس / محمد عبد الجبار الشبوط


بتاريخ أبريل 30, 2025 | في مقالات

عيوب التأسيس

محمد عبد الجبار الشبوط

الثغرات التي سيأتي الحديث عنها في ادناه تمثل أبرز عيوب التأسيس البنيوي للدولة العراقية بعد 2003،وهي تعكس خللاً عميقاً في المنظومة السياسية والمؤسسية للدولة، وسأشرح كل واحدة منها بإيجاز:

ثغرات الدستور

يمثل الدستور القاعدة التي تبنى عليها الدولة. وعادة ما تستغرق كتابة الدستور وقتا كافيا للدراسةوالتدقيق والتمحيص والنقاشات العامة. لكن الدستور العراقي كُتب في ظروف غير مستقرة، وبشكلمتسرع. لهذا احتوى على بنود غير واضحة أو متناقضة كما أنه لم يحسم طبيعة النظام السياسي بشكلدقيق بين المركزية والفيدرالية، ولا طبيعة النظام الاقتصادي.  وترك فجوات تفسر حسب مصالح القوىالسياسية. كما ان الطبقة السياسية الحاكمة تجاهلت الدستور في بعض مواده وخاصة المادة (٦٥) المتعلقة بمجلس الاتحاد والمادة المتعلقة بتعديل الدستور والمادة المتعلقة بكركوك. وللتوسع في هذاالامر احيل القاريء الى الدراسة القيمة التي كتبها الاستاذ الدكتور نديم الجابري حولالبعد السياسيوالفكري في كتابة الدستور العراقي“(٢٠١٨)

المحاصصة:

تم اعتماد نظام المحاصصة الطائفية والإثنية كآلية لتوزيع السلطة بين مكونات المجتمع (شيعة، سنة،أكراد، وغيرهم). هذا النظام أدّى إلى تقويض مبدأ الكفاءة في تولي المناصب، وأسّس لثقافة الولاءللمكون على حساب الولاء للدولة، مما شجّع على الفساد والانقسام بدل الوحدة الوطنية.

3. ضعف مفهوم المواطنة وتضخم مفهوم المكون:

بدلاً من أن يكون المواطن هو حجر الأساس في بناء الدولة، أصبح الانتماء الطائفي أو القومي هوالمرجعية الأولى في الحقوق والواجبات. هذا التضخم في مفهومالمكونأضعف من سيادة القانون،وخلق بيئة تفتقر للعدالة والمساواة، ما جعل مؤسسات الدولة خاضعة لصراعات الهويات الفرعية.

4. الخلط بين الديمقراطية العددية والديمقراطية التوافقية:

المشكلة في التجربة العراقية لم تكن الالتزام الحاسم بأحد النموذجين، بل في التداخل غير المنضبطبينهما. الديمقراطية العددية تعني حكم الأغلبية عبر الانتخابات، بينما الديمقراطية التوافقية تُستخدمعادة في المجتمعات المتنوعة لضمان تمثيل كل المكونات، لا سيما حينما لا تكون الثقة بين الأطرافمكتملة.

في العراق، تم استيراد نموذج الديمقراطية العددية شكلياً عبر الانتخابات، لكن التطبيق العملي كان قائماًعلى أسس التوافق السياسي والمحاصصة الطائفية. بمعنى آخر، يتم انتخاب البرلمان بشكل عددي، لكنتشكيل الحكومة يخضع لمفاوضات توافقية بين الكتل الطائفية والقومية. هذا التناقض أدى إلى شللسياسي، وتأخير تشكيل الحكومات، وتعميق الطائفية، وإضعاف مفهوم المعارضة البرلمانية.

كان ينبغي أن يتم اختيار أحد النموذجين بوضوح مع تهيئة الشروط المؤسسية والثقافية له، لكن الخلطبين النموذجين جعل العملية السياسية تعاني من فقدان الفاعلية والمصداقية.

أدى هذا الخلط إلى أزمات متكررة في تشكيل الحكومات، حيث تُفسر الأغلبية العددية في البرلمان علىأنها تمثيل شرعي للحكم، بينما طبيعة المجتمع العراقي المتعدد تتطلب توافقاً سياسياً يضمن مشاركةكل المكونات. هذا التباين أدى إلى تعطيل قرارات الدولة، وزيادة الاستقطاب الطائفي والقومي.

يمكن معالجة هذا العيب بجعل مجلس النواب مكان الديمقراطية التعددية ومجلس الاتحادللديمقراطية التوافقية.

5. الاقتصاد الريعي:

يعتمد العراق على النفط كمصدر أساسي للدخل، ما أدى إلى اقتصاد ريعي هش غير منتج. الدولةأصبحت هي الممول الأساسي للمواطن، لا بوصفها راعية بل كموزع للثروة، مما شجع على التوظيفالزبائني، وضعف المبادرات الاقتصادية الحرة، وزاد من الاعتماد على الدولة بدلاً من تشجيع العملوالإنتاج.

6. غلبة مفهوم السلطة على مفهوم الدولة:

بعد 2003، تركزت جهود الطبقة السياسية على تقاسم السلطة بدلاً من بناء مؤسسات الدولة. أصبحتالأحزاب تتعامل مع الوزارات كمواقع نفوذ لا كمؤسسات خدمية. هذا أضعف مبدأالشرعيةالمؤسسية، وجعل مؤسسات الدولة رهينة لإرادات القوى السياسية، مما قاد إلى ضعف الهيبة، وسوءالإدارة، وغياب الرؤية الاستراتيجية.

7. مجلس الاتحاد

هذه الثغرات مجتمعة تشكل الأساس البنيوي للمشكلات التي يعاني منها العراق اليوم، وهي تحديات لايمكن تجاوزها إلا بإصلاح سياسي جذري ينطلق من إعادة بناء الدولة على أسس المواطنة والمؤسساتوالشفافية

الوسوم: