أخبار محلية و عالمية

*بين مطرقة البطالة وسندان الإهمال*


بتاريخ مايو 4, 2025 | في مقالات

  نهله الدراجي

في العراق، لا يحمل عيد العمال سوى طابع رمزي باهت، لا تلتقطه كاميرات الاحتفاء، بل توثّقه ملامحالتعب والإرهاق وقطرات العرق على جبين العامل و أنينه، الذي لا يعرف ما إذا كان سيظل في عمله غداًأم يُستبدل بلا إنذار.

لم يعد عيد العمال في العراق مناسبة يُحتفى بها كما ينبغي، ولا لحظة اعتراف عادلة بدور الإنسان الكادحالذي ما زال يحمل على كتفيه ثقل الحروب والنزاعات، وتبعات الفساد وسوء الإدارة، وتراكمات القوانينالغائبة أو المعطلة. بل تحوّل هذا اليوم، بمرور الوقت، إلى مناسبة حزينة لاستذكار الخيبات والتذكيربالمطالب التي لا تجد من يستمع إليها، ولا من يسعى لتحقيقها.

ففي بلد يواجه أزمات اقتصادية مزمنة، وبُنى تحتية متآكلة، وسوق عمل غير منظم، يظل العامل الحلقةالأضعف في سلسلة الإنتاج، حيث يعاني العمال من غياب الضمانات الوظيفية، وحرمانهم من التقاعد،وانعدام التأمين الصحي، وتدني الحد الأدنى للأجور إلى مستويات لا تليق بكرامة الإنسان.

إن المفارقة المؤلمة تكمن في أنّ العراق، الذي أنجبت حضاراته الأولى مفاهيم العمل والإنتاج، لا يزالعاجزاً عن ضمان أبسط حقوق من يبنون حاضره بأيديهم. فالعامل العراقي لا يطلب امتيازات خاصة، بليطالب بما هو من صميم العدالة الاجتماعية: أجر عادل، بيئة عمل آمنة، قانون عمل يحميه، ونقابة تمثلهبحق.

لقد بُنيت أسس الحضارات الأولى على سواعد العمّال، الذين حرثوا الأرض، وشيدوا المعابد، وحفرواالأنهار، وصنعوا أدوات الحياة الأولى. ومن عرقهم، نشأت المدن، وتفتّحت الأفكار، وبدأت البشرية رحلتهاالطويلة نحو التمدّن والمعرفة. واليوم، في زمن التطور الرقمي والذكاء الاصطناعي، يبقى العامل هوالجوهر الذي لا يمكن الاستغناء عنه، لأنه يمثل فعل الإنتاج في أنقى صوره، وكرامة الإنسان في أنبلتجلياتها.

إن غياب الإصلاحات الجذرية في قوانين العمل، واستمرار الفجوة بين الخطاب الرسمي والواقعالمعيشي، يطرحان سؤالاً مؤرقاً: ما قيمة الاحتفال بعيد العمال في بلد لا يوفر حماية قانونية حقيقيةللعامل؟ وأي معنى لهذا العيد إذا ظل العامل العراقي يواجه البطالة، وسوء المعاملة، ومخاطر العملدون تأمين أو تعويض؟

إن العدالة الاجتماعية ليست شعاراً يُرفع في المناسبات، بل منهج عمل يتطلب إرادة سياسية وتشريعيةحقيقية. ولا يمكن أن تنهض أمة دون أن تضع العامل، لا في مقدمة الشعارات، بل في قلب السياساتالعامة وخطط التنمية.

في عيد العمال، لا نملك إلا أن ننحني احتراماً لكل يد متعبة، لكل جبين عَرِق، لكل قلبٍ ما زال يؤمن أنالعملرغم كل شيءهو شرف الإنسان وسرّ وجوده. ومع ذلك، لا يكفي الانحناء، ولا تكفي الكلمات. ما يحتاجه العامل العراقي اليوم هو عدالة في التشريع، وإنصاف في الأجور، وكرامة في المهنة، ومستقبللا يُبنى على الأوهام.

فبالعامل تُبنى الأوطان، وبكرامته تُقاس إنسانية المجتمعات. ولا نهضة، ولا تنمية، ولا سلام، دون أن يكونللعامل فيها نصيبٌ عادل من الكرامة والحياة.

الوسوم: