مواويل جنوبية
#عبدالسادة البصري
كنّا نسمع اهلنا قديماً يقولون
:- الصيف أبو الفقير والشتاء أبو الغني ،، لكنّنا الان نرى الاثنين خارج المألوف !!
قبل يومين وأنا جالس في السيارة ذاهبا إلى العمل، دار حديث بين إحدى الموظفات وزميلها حول دخولالشتاء وموجة البرد التي هبطت علينا فجأة وتلبد السماء بالغيوم منذرةً بالمطر، كنتُ أُصغي لحديثهماوهما يتذمران، حيث قال:-
ــ تأخّر الشتاء هذه السنة، وجاءنا فجأة دون أن نستعدّ له! فأجابته :- إي والله،بيوتنا ما تتحمّل المطرويمكن تخّر علينا !
ليُكمل :ــ هي بس بيوتنا ؟! يمعوده شوارعنا وأسواقنا ومجارينا، وكل شيء ما يتحمّل الشتاء، ومن أولمطرة راح نغرق!
وهما يتحدّثان سرحت بمخيّلتي حيث الطفولة والصبا في بيتنا الطيني هناك في جنوب الوجع ــ الفاو ــأيام الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي، وكيف كنّا نستعدّ للشتاء منذ شهر أيلول، حيث نقومبــ ( لطش) السطوح بالطين المخمّر مع التبن ونرتّب أرضية البيت برصف الممشى بالطابوق المكسّر،وحينما يدخل الشتاء وتبدأ السماء بإرسال رسائلها مطراً نلتمّ في غرفة الجلوس الطينية الكبيرة وبيننامنقلة الفحم تبعث الدفء وإبريق الشاي في منتصفها، كانت أمّي في تلك الأيام تشتري لنا جوزاً منالدكّان القريب لبيتنا نشويه في المنقلة إضافة لما يجلبه أخي الأكبر في ( شليله ) من جوزٍ فاز به فياللعب، لتكون تلك الليلة حفلة شواء جوزيّة، حينها كانت زوجة أبّي تحكي لنا قصصاً وحكاياتٍ كثيرةًسكنت بعد ذلك ذاكرتي فصرت أدوّنها ضمن قصائدي!
كنّا نحبّ الشتاء رغم فقرنا وعدم قدرة بيوتنا الطينيّة على الصمود أمام المطر والرياح، لكنّنا نستعدّ لكلشيء محتمل الحدوث، وتلمّنا ليالي البرد والمطر والحكايات،، كما إنّ قُرانا ومدننا لم تغرق يوماً أبدا،لهذا نحبّ الشتاء بما فيه! الآن صرنا نكره الشتاء ، كما نكره الصيف! فأيّ الفصول نحبّ يا تُرى ؟! الجواب:- لا أدري … لأننا في الصيف نعاني من الغبار والأتربة وارتفاع درجات الحرارة والرطوبة وانتشار البعوضوالذباب مع انقطاع التيار الكهربائي! وفي الشتاء نعاني من طفح المجاري وفيضانها وغرق الشوارعوالأسواق والبيوت بماء المطر وكثرة الأوحال والأطيان ونزلات البرد مع انقطاع الكهرباء أيضاً !!
إضافة إلى معاناة أبنائنا الطلبة وهم يتخبّطون في الوحل والأطيان ذاهبين إلى المدارس مع عدم ترميممدارسهم بالشكل الأكمل إذ تجد الشبابيك بلا زجاج ومدارسهم تفتقر للمرافق الصحيّة وماء الإسالةوقلّة الرحلات!
ولكوننا نعاني الأمرّين شتاءً وصيفاً صرنا نكرههما ، خلافاً لمواطني الدول الأخرى التي تحترم حكوماتُهاشعوبَها وتسعى لإسعادهم وتوفير الخدمات كافّة لهم بعيداً عن الفساد الذي استشرى في مفاصل بلادنابسبب المحاصصة المقيتة للأسف!
وما علينا إلاّ أن نفكّر كمسؤولين وحكّام بشكل جدّي وانتماءٍ حقيقيّ للوطن والناس، ونسعى لجعلشعبنا يحبّ الشتاء والصيف وكلَّ الأيام بتوفيرنا ما يمكن أن يجعله سعيداً في وطنٍ حرٍٍّ خالٍ من الفسادوالمحاصصة المقيتة !!!
