يترقّب العراقيون حدثاً مهماً خلال الايام المقبلة، يتمثل في الانتخابات التشريعية التي تحدد مصير البلد خلال الفترة المقبلة، وكان المفروض أن تكون هذه الانتخابات شبيهة بما سبقتها لا تتخللها سوى اثارات ومشاحنات محدودة بسبب التنافس الانتخابي إلا أن ما فاجأ المراقبين في هذه الانتخابات ظاهرة الازدواجية الملفتة في مخاطبة مكونات الشعب العراقي من جانب بعض صناع الرأي العام ووسائل الاعلام المحسوبة على جهات معروفة وهو ما يدعو الى التوقف عند هذا السلوك الشاذ والتعاطي معه بموضوعية والربط بين الأحداث لاتخاذ الموقف السليم من المشاركة في الانتخابات وعدمها، وذلك من خلال ملاحظة ما يلي:
1- ان هذه الظاهرة ليست منفصلة عن مجريات أحداث الماضي بل هي حصيلة السياسة الاعلامية والممارسات الاخرى الممنهجة التي استهدفت المكون الاكبر في محاولة لإرباكه و إزاحته وتهميشه من خلال الخطوات التالية:
الف – خلق هالة من التقديس الأجوف للطاغية والتغطية على سياساته الطائفية الصارخة والتبرير لجرائمه المروعة التي بلغت حد الإبادة الجماعية وحروبه العابثة __متجاهلين اعتراف كثير من اعوانه و أزلامه بفظاعتها__، خلافاً للموقف من باقي الدكتاتوريين العرب الذين لا يقاس جرمهم بجرائمه.
ب – عمليات القتل والابادة الجماعية من خلال التفجيرات المروّعة التي استهدفت المدنيين والمدارس والمقّدسات، والتي قامت بها بقايا الاجهزة الامنية القمعية لنظام الطاغية من خلال شعارات مزيفة وواجهات دينية اجرامية مثل تنظيمي القاعدة وداعش و غيرهما، فضلاً عن المساعي الفعلية لهؤلاء في بعض الدول الكبرى لإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء.
ج – تحميل المكون الاكبر مسؤولية كل الأخطاء والإخفاقات التي شارك فيها ممثلون من كل المكونات، بينما يتم التبرير وتلميع الصور الكالحة لشخصيات من مكوّنات اخرى.
د- الحملات التسقيطية المكثفة التي لم تقتصر على الشخصيات السياسية بل شملت المكون الاكبر بشرائحه الاجتماعية المتنوعةفي المسلسلات والفعاليات الفنية الاخرى.
إن هذه الخطوات والممارسات وغيرها حلقات ضمن سلسلة واحدة يراد لها أن تحقق ثمارها اليوم في عزوف المكون الاكبر عن المشاركة وكثافة مشاركة المكونات الاخرى.
2- الملاحظ ان بعض الاشخاص ووسائل الاعلام التي تتبنّى تثبيط هذا المكون عن المشاركة – وفي ازدواجية مفضوحة – تحث مكونات اخرى على المشاركة الفعالة باعتبار أن هذه الانتخابات سوف تحدد مصير البلد لعقود لاحقة وليس اربع سنوات!
3- بينما يوحي البعض في خطابه الإعلامي أن نتائج الانتخابات محسومة يبذلون أموالاً طائلة لتمرير سياساتهم المزدوجة وصلت إلى حدّ شراء البطاقات الانتخابية لأفراد من المكون الاكبر دون غيرهم، مما يشهد بزيف هذا الادعاء.
4- من المعروف أن هناك مسارين في إدارة البلدان في كل انحاء العالم ..
المسار الاول: يتمثل في ادارة البلاد عبر طغاة او دكتاتوريين يتحكمون في شؤون مجتمعاتهم من دون اعتبار أيّة قيمة لآرائهم وشخوصهم، وقد عانينا نحن العراقيين _خاصة المكون الاكبر _مآسي هذا الخيار الذي أدى الى التضحية بالعراقيين في حروب عابثة و ابادة جماعية وسياسة طائفية صارخة.
المسار الثاني: أن يكون للمواطنين دور مهم – يختلف حجمه باختلاف الظروف – مما يفرض نحواً من الرقابة الاجتماعية والقانونية على المتصدّين، وفي هذا المسار لا يبقى المواطن محايداً بل هو اما فاعل مباشر في اتخاذ قراره أو يخوّل غيره – ولو من الناحية الواقعية – في إدارة شؤونه، كما هو الحال في ركاب سفينة واحدة.
5- من الخطا أن يتصور المواطن ان الانجازات المتحققة ثابتة و مضمونه وأن الاهتمام ينحصر بتحقيق الأفضل، وهو خطأ كبير فإن عدم تحمل المسؤولية يؤدي الى تدهور الأوضاع والى مآلات خطيرة، كما حدث في افغانستان حيث تم توظيف كتّاب ومحللين للمبالغة في نقد سلبيات الحكم السابق، وعندما سقط النظام جاء الحكام الجدد وفي مقدمة قراراتهم – إضافةً للدكتاتورية الصارخة – سحب الاعتراف بالمذهب الجعفري وطرد كل المنتسبين للجيش والشرطة وكلّ الدوائر المهمة حتى الجندي والشرطي والموظف البسيط حيث تم رميهم في الشارع من دون أية خطة ومراعاة لوضعهم بل حتى عملاؤهم الذين باعوا بلدهم وأهليهم بثمن بخسٍ، ونحوهم من المنظّرين الطوبائيين من دون ان يجرؤ هولاء على نقد بسيط للقمع والفساد المعلن ،حتى ان بعض حكام الولايات هناك يكفّر شيعة اهل البيت ع صراحة في مؤلفاتهم المنشورة، وبدأت بعض الولايات بإصدار قرارات طائفية تمنع أية انشطة ثقافية وممارسة عبادية ولو كانت صلاة جماعة بل حتى صلاة فرادى في البيت على غير طريقتهم(يلاحظ الملحق )
ويتحسر اليوم الكثير ممن بالغوا في نقد النظام السابق على أيامه ويعضّون اصابعهم ندما حيث لا ينفع الندم.
6- الملفت أن بعض المتصدين في مكون آخر بدأوا يصرّحون بنواياهم قبل أن يقطفوا ثمار غفلتكم وإعراضكم، فكيف اذا تحققت اُمنياتهم المريضة؟
هذا و في الوقت الذي اُؤكّد على اهمية المشاركة الشعبية الفعّالة في الانتخابات واختيار الأفضل المتاح والاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى في مسارها الطويل اُذكّر المرشحين و المتصدّين بضرورة مراجعة أنفسهم وسياستهم وتحمّل مسؤوليّاتهم وكسب ثقة مواطنيهم و التعاون الجاد لبناء عراق مستقر ومزدهر خدمة لكل مواطنيه ومساهم في استقرار المنطقة بعد معاناتها من الحروب الدامية،
ولتكن هذه التحديات فرصا لزيادة الوعي و مراجعة الذات و تعميق الشعور بثقل المسؤولية .
