منصة ثقافية أدبية

أنقذوا ما تبقى من النسيج الاجتماعي


بتاريخ مايو 31, 2025 | في مقالات

المشاهدات : 10


 

في العراق، لم تعد الأسرة التي لطالما كانت نواة المجتمع العراقي ومصدر قوته، بمنأى عن رياح التفكك والتشرذم. ففي خضم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة، تزداد ظواهر الطلاق والعنف الأسري بشكل مقلق.
أرقام الطلاق التي تسجّلها المحاكم العراقية عاماً بعد آخر، مرايا تعكس أزمات عميقة تُنذر بكارثة اجتماعية تتسلل إلى كل بيت. وما بين زواجٍ مبكرٍ لم ينضج، وضغوطٍ اقتصادية خانقة، والكثير من العوامل، تتكسر الأحلام على عتبات المحاكم، ويغدو الأطفال الضحية الأولى لصراعات لم يختاروها.
تشهد الأسرة العراقية في السنوات الأخيرة تحولات اجتماعية مقلقة تدفعنا إلى دق ناقوس الخطر، وسط تصاعد معدلات الطلاق والعنف، وارتفاع مشهود في حالات التفكك الأسري، ما يعكس بوضوح حالة من التفكك الاجتماعي العميق، ويطرح تساؤلات جوهرية حول أسباب هذا الانهيار، وسبل معالجته.
أبرز العوامل التي تقف خلف تنامي هذه الظاهرة تتوزع بين الزواج المبكر، والتدهور الاقتصادي، وتراجع منظومة القيم، إلى جانب التأثير السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت نافذة مفتوحة على الشكوك والفتن، أكثر من كونها وسيلة للتقارب والتفاهم. كما لا يُغفل تأثير التدخلات الخارجية من الأهل والأصدقاء، التي كثيراً ما تُفضي إلى تعقيد الخلافات بدلاً من حلها.
ما يبعث على القلق أن هذه التحولات لا تُقابل بخطط حكومية فعالة أو برامج مجتمعية وقائية، بل تبدو المعالجات خجولة، موسمية، وغير قادرة على ملامسة جوهر الأزمة. في المقابل، يبقى الأطفال هم الحلقة الأضعف والأكثر تضرراً، إذ يكبرون وسط بيئة متصدعة، تفتقر إلى الحنان والاستقرار، ما يهدد نموهم النفسي والسلوكي، ويزرع في داخلهم مشاعر التشتت والقلق.
إنّ استمرار هذا النزيف الاجتماعي دون تدخل عاجل وممنهج، سيقود حتماً إلى آثار أكثر خطورة على المدى البعيد، ليس فقط على مستوى الأسرة، بل على بنية المجتمع بأسره. فالمجتمعات القوية تُبنى من داخل الأسرة، ومن غير الممكن الحديث عن تنمية حقيقية أو استقرار وطني دون أسرة متماسكة، متفهمة، قائمة على الاحترام والحوار.
من هنا، نوجّه نداءنا إلى الجهات الحكومية والمؤسسات التشريعية والتربوية، للعمل على وضع استراتيجية وطنية شاملة لحماية الأسرة العراقية من التفكك، تبدأ من التوعية، وتمر بالتأهيل النفسي والاجتماعي للزوجين، ولا تنتهي عند سنّ قوانين صارمة تحمي الأطفال من تبعات الانفصال والعنف. كما نهيب بالمجتمع المدني والنخب الثقافية والإعلامية أن تضطلع بدورها التوعوي لترسيخ ثقافة أسرية صحية ولتنقذ ما تبقى من نسيجنا الاجتماعي.
في كل بيتٍ يُهدم، هناك قلب طفلٍ يُكسر. وفي كل ورقة طلاق تُوقّع، هناك حلم صغير يُمزّق. لا تجعلوا من الصمت شريكاً في هذه الجريمة الاجتماعية. فهناك الكثير من ضحايا التفكك الأسري، الذين يمشون بيننا بقلوبٍ منهكة وأرواحٍ مهشّمة. إنقاذ الأسرة العراقية بات ضرورة وطنية وأخلاقية.
لأن ما يحدث اليوم، إن تُرك دون علاج، سيصنع غداً هشاً، مليئاً بالغضب والخوف، مهدداً بذلك حلم العراق في مستقبل أكثر عدلاً واستقراراً..
نهلة الدراجي

الوسوم: