منصة ثقافية أدبية

شكراً للسعوديين… لأنكم كشفتم الزيف


بتاريخ أكتوبر 23, 2025 | في اراء حرة

المشاهدات : 37


فلاح الكلابي

سنوات طويلة والعراقيون يرفعون شعار العروبة بصدق لا رياء فيه.فتحوا بيوتهم وقلوبهم لإخوتهم الخليجيين، تقاسموا معهم اللقمة والملاذ، واستقبلوهم كضيوف لا كغرباء، بل كأبناء لبيت واحد يجمعه التاريخ واللغة والدين. كنا نظن أن الجرح العربي يلتئم بالمودة، وأن الكلمة الصادقة تمحو آثار السياسة الباردة. لكن ما لم تفعله الحدود فعلته المدرجات. فبكلمة واحدة من بعض جمهور متعصب، انكشف الغبار عن قلوب لم تحمل لنا سوى الاحتقار.

لم نحزن لخروج المنتخب من التصفيات، فالهزيمة في كرة القدم جزء من اللعبة، أما الهزيمة في الأخلاق فهي سقوط لا يُبرر. ما يؤلم ليس الصفر على لوحة النتيجة، بل الصفر في ميزان القيم. تلك الهتافات الطائفية التي صدرت من بعض جماهير السعودية لم تكن “زلة مدرج” بل كانت مرآةً لما تراكم في النفوس: كراهية موروثة ومسكوت عنها، تنتظر فرصة لتخرج في شكل نشيد جماعي ضد أبناء الرافدين.

شكراً لكم، لأنكم — من حيث لا تدرون — عريتم الزيف الذي ظل يُسمى “وحدة عربية”. كشفتم أن العروبة التي كنا نحلم بها لم تكن سوى واجهة لتمييز مقنع، وأن الأخوة التي تغنى بها الإعلام لم تكن سوى لافتة تخفي تحتهـا احتقاراً متبادلاً لا يجرؤ أحد على الاعتراف به.

الأكثر مرارة أن أبواق الإعلام المأجور، التي كانت تصرخ في وجه لاعب أضاع هدفاً، صمتت تماماً أمام الإهانة التي طالت شعباً بأكمله. لماذا خرست الأصوات؟ لماذا صار التجاوز على العراق مسموحاً، بينما كلمة احتجاج عراقية تُعد جريمة؟

عندما انتقد معلق عراقي التحكيم الخليجي، قامت القيامة عليه، أما حين خرجت من أفواه سعوديين كلمات تمس مكونات العراق وكرامته، لم يتحرك أحد، لا من المعلقين ولا من المسؤولين.

أي ميزان هذا؟ وأي عروبة هذه التي تفرق بين عرب وعرب، وتغض الطرف عن العنصرية حين تأتي من جهة المال والنفط؟

نعم، إنها كرة قدم، وليست حرباً طائفية. ولكن ما سُمع في المدرجات كان يذكرنا بأنّ الطائفية لا تموت، بل تنام تحت الرماد، تنتظر لحظة الانفعال لتخرج في شكل هتاف أو ضحكة أو تصفيق.

لسنا بحاجة إلى دروسٍ في “الأخوّة”، ولا إلى خطب عن “وحدة الصف”. نحن بحاجة إلى احترام متبادل، إلى ضمير يرى في الإنسان إنساناً لا مذهباً ولا طائفة.

نحن، الذين دُفعنا مراراً للدفاع عن العروبة في وجه كل العواصف، نكتشف اليوم أن العروبة التي نادينا بها كانت — عند البعض — مجرّد شعارٍ يُرفع حين يحتاجوننا، ويُسقط حين نحتاجهم.

شكراً لكم مرة أخرى، لأنكم أظهرتم ما كان يُقال همساً في المقاهي، فقلتموه جهراً في الملاعب.

لقد خسرنا مباراة، نعم، لكنكم خسرتم ما هو أعمق من كأس العالم: خسرتم احترام الجار، وصدق الأخوة، ومعنى العروبة.

ولعل هذه الخسارة، في ميزان القيم، أفدح من أي نتيجة تُكتب على لوحة إلكترونية.

 

الوسوم: