منصة ثقافية أدبية

الغِنى الحقيقي… درس من كربلاء


بتاريخ أغسطس 18, 2025 | في اراء حرة

المشاهدات : 72


فلاح الكلابي
حين نسمع كلمة غنى يذهب تفكيرنا مباشرة إلى المال والذهب والقصور  نتصور أن الغني هو من يملك ثروة أو جاهاً يفتح له الأبواب  لكن كربلاء قدمت للعالم معنى آخر للغنى، معنى لا يزول بمرور الزمن ولا يصدأ مع تبدل الأيام.
الإمام الحسين عليه السلام كان سيداً من ال بيت النبي له مقام رفيع ومكانة عالية بين الناس لم يكن محتاجا لشيء يثبت قيمته لكنه حين واجه خيارين متناقضين إما أن يرضخ لحاكم ظالم أو أن يثبت على مبدأ الحق اختار الطريق الأصعب. لم يقس الغنى بما يملكه من سلطة أو راحة، بل بما يملكه من كرامة ومبدأ. وهنا ظهر درس كربلاء أن الغنى الحقيقي هو غنى الموقف.
التاريخ يؤكد هذا المعنى بوضوح فالذين ملكوا المال والقصور في زمن الحسين اندثروا، ولم يبقى من ذكراهم إلا سطور باهتة في كتب التاريخ  أما الحسين، فقد بقي اسمه حياً في القلوب، يُذكر بعد أكثر من أربعة عشر قرناً وكأنه بيننا الآن. لقد صار غنياً بما لا يزول غنياً بالمبدأ غنياً بالتضحية وغنياً بالمكانة التي لا يشتريها ذهب ولا سلطان.
وزيارة الأربعين اليوم هي الشاهد الأكبر على هذا الغنى  ملايين الناس يقطعون الطريق نحو كربلاء مشياً على الأقدام، من مختلف الأعمار والبلدان. لا يجمعهم مال ولا مصلحة، بل يجمعهم اسم واحد الحسين،،، وعلى طول الطريق ترى الفقراء والأغنياء يتسابقون لخدمة الزائرين يقدمون الطعام والشراب والراحة بلا مقابل هنا يتجلى درس آخر من دروس الحسين أن الغني ليس من يكدس المال، بل من يُشرك الآخرين في عطائه.
هذا المشهد الفريد يكشف أن الغنى الحقيقي لا يقاس بما نضعه في الجيوب، بل بما نتركه في القلوب. ليس بما نملك من أشياء، بل بما نتركه من أثر. المال يزول مع صاحبه، لكن المبدأ يعيش أبداً.
لقد علمنا الحسين أن الكرامة أغلى من العمر وأن الحرية أثمن من السلامة وأن الإنسان يمكن أن يخسر كل شيء ويبقى غنياً إذا تمسك بموقفه لذلك بقيت كربلاء علامة فارقة في التاريخ لا لأنها معركة بالسيوف بل لأنها معركة في المعنى معركة بين الغنى الزائل والغنى الباقي
ولهذا سيبقى الحسين مدرسة مفتوحة للأجيال مدرسة تقول لنا إن الغني الحقيقي هو من يملك نفسه أمام الإغراء، ويملك كلمته أمام الباطل، ويملك مبدئه أمام كل المغريات. فالغنى بالذهب ينتهي بانتهاء العمر، أما الغنى بالمبدأ فيبدأ بعد الموت، ويستمر بقدر ما يلهم الآخرين.
وهكذا، حين نتأمل في كربلاء، ندرك أن الغني ليس من يملك الدنيا، بل من يملك موقفاً يضيء للناس طريقهم. هذا هو الغنى الذي لا يزول، الغنى الذي جعل الحسين رمزاً للإنسانية، وعلمه للأمة درساً لا يُنسى  أن ما يبقى ليس ما نأخذه من الدنيا.  بل ما نعطيه لها.
الوسوم: