آلاء كريم
في زمن باتت فيه وسائل التواصل الاجتماعي أداة أساسية للتفاعل، أصبحت بطاقات التهنئة الرقمية طقسًا معتادًا في الأعياد والمناسبات. غير أن هذا الشكل الظاهري من الود يطرح تساؤلات جوهرية حول صدقيته وتأثيراته النفسية والصحية، خصوصًا مع طغيان الطابع الجماعي والتلقائي على كثير من هذه الرسائل.
التهاني الرقمية… تواصل أم استهلاك؟
مع كثافة الرسائل المرسلة عبر خاصية “تحديد الكل”، فقدت التهاني الشخصية شيئًا من معناها العاطفي، وتحولت في كثير من الأحيان إلى وسيلة للحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات الاجتماعية. هذا النمط قد يوحي بالاهتمام، لكنه لا يعكس بالضرورة تواصلًا حقيقيًا، بل يؤدي أحيانًا إلى شعور متبادل بالواجب والضغط غير المبرر على المتلقي للرد والمجاملة.
تداعيات صحية للتواصل المستمر
تشير دراسات إلى أن الاستخدام المكثف للتكنولوجيا في العمل والتواصل الاجتماعي يرتبط بزيادة في المشاكل الصحية لدى الشباب، منها الانزلاقات الغضروفية والسمنة وآلام المفاصل والرقبة، وهي أعراض كانت تُربط في السابق بالتقدم في السن أو الحوادث.
أصبحت الشكوى من الإرهاق الرقمي أكثر شيوعًا، خصوصًا لدى من يعملون في المجالات المكتبية أو غير النشطة بدنيًا، مما يفرض ضرورة إعادة التفكير في طبيعة هذا التواصل وأثره.
نحو علاقات أكثر صدقًا وأقل ضغطًا
الصداقة الحقيقية، كما يثبتها الواقع، لا تُقاس بعدد الرسائل ولا بسرعة الرد، بل بصدق الحضور وقت الحاجة، وبالقدرة على تفهّم انشغالات الآخر دون عتاب. إن تعزيز ثقافة “التمس لأخيك عذرًا” هو أحد أوجه الرحمة الاجتماعية التي نحتاج لترسيخها في عصرنا الرقمي.
دعوة للتوازن
ليس الهدف من هذه الدعوة الانسحاب من الحياة الاجتماعية، بل ترشيد استخدام الوسائل التقنية، واحترام الحدود الصحية والنفسية في التواصل. إن قضاء ساعات طويلة خلال الأعياد للرد على التهاني قد يبدو أمرًا بسيطًا، لكنه في واقع الأمر يؤثر على طاقة الفرد وصحته، خصوصًا لمن يعانون من ظروف صحية خاصة.
خاتمة
من المهم أن نعيد تقييم أدوات تواصلنا الرقمي، ونتساءل: هل التقنية تُستخدم لخدمتنا أم تحكمنا؟
ولنحرص على أن تكون رسائلنا نابعة من نية صادقة لا مجرد عادة مكرورة.
فالود الحقيقي لا يحتاج كثير كلام… بل يكفيه موقف صادق في لحظة فارقة.