منصة ثقافية أدبية

من يطلب الحماية… يُقتل أولاً


بتاريخ أغسطس 2, 2025 | في اراء حرة

المشاهدات : 211


فلاح الكلابي

في سابقة خطيرة تهز معنى الدولة من جذوره وقعت جريمة بشعة في محافظة النجف الأشرف يُقتل مواطن علناً وأمام عناصر القوات الأمنية لا على يد عصابة مجهولة في زقاق مظلم بل خلال تنفيذ إجراء رسمي وبحضور قوة من الشرطة يُفترض أنها جاءت لحمايته

القصة تبدأ حين تقدم الضحية وهو مواطن مهدد بالقتل بشكوى قانونية ضد أفراد يهددونه بشكل متكرر خرج مع دورية أمنية لإلقاء القبض على من يهدده لكنه وجد نفسه فريسة لطعنات قاتلة أمام أعين رجال الأمن أنفسهم. سكاكين تنهال عليه وعناصر الشرطة متفرجون لم يتدخلوا لم يُطلقوا طلقة تحذيرية لم يُلاحقوا الجناة بعد فرارهم تركوا القاتل يمضي وتركوا المجني عليه ينزف حتى لفظ أنفاسه الأخيرة مشهد لا يحدث حتى في الدول الفاشلة… لكنه حدث هنا.

الصمت الرسمي، كالعادة، كان هو البداية لا بيان إدانة لا إعلان عن تحقيق عاجل، لا تحرك فعلي للقبض على القتلة. لكن حين قررت عائلة القتيل أن تخرج للمطالبة بحق ابنها، حين طالبوا علناً بمحاسبة المتورطين، تحركت السلطة أخيراً… لا للعدالة بل للقمع.

بشكل صادم، أقدمت قيادة الشرطة على اعتقال الشيخ فراس سلمان ابو جزره شيخ عشيرة القتيل إلى جانب شقيق المجني عليه. رغم أن خطاب الشيخ موثق ومسجل ويدعو فيه إلى التهدئة وضبط النفس لا تحريض لا تهديد لا تجاوز على القانون ومع ذلك، كان هو من طالتهم يد الدولة، لا من طعن وقتل وهرب.

هذا يطرح سؤالا مهم من الذي تُحركه الدولة؟ ومن الذي تحميه؟ هل الجناة محميون لأنهم من نفس عشيرة قائد الشرطة؟ هل يراد من اعتقال الشيخ الضغط على العشيرة لقبول التنازل، وغلق الملف؟

هل أصبحت الدولة أداة وساطة بين القاتل والضحية، لا سلطة للعدالة؟

هذا ليس أول مشهد من نوعه. جميعنا شاهدنا مظاهر السلاح المنفلت بيد جماعات خارجة عن القانون، تسير جهارا، تهدد جهاراً، ولا أحد يجرؤ على مواجهتها. أين كان قائد الشرطة حين خرجت هذه الفصائل علناً بالسلاح؟ أين كان “الجهد الاستخباري” حين كانت التهديدات تنشر بالفيديو وبالأسماء؟

الدولة هنا لا تعاني من ضعف… بل من ازدواج.

الضعيف يعتقل فوراً، والمطالب بالحق يوضع خلف القضبان أما القوي المرتبط المحسوب فيترك ليتنقل كيف يشاء.

وهنا لا تعود المشكلة في فرد بل في المنظومة كلها.

حين يستباح دم المواطن في ظل وجود الأجهزة الأمنية ولا يحرك أحد ساكناً، فالمؤسسة الأمنية تتحمل المسؤولية كاملة لا كشاهد بل كشريك بالصمت والتواطؤ.

وحين تتحول القوانين إلى أدوات ضغط لا أدوات عدل، فهذه ليست سلطة… بل سلطة منحازة.

نحن لا نعيش أزمة قانون، بل أزمة ضمير دولة.

العدالة التي لا تنصف القتيل، وتكافئ القاتل بالصمت، ليست عدالة، بل قناع سقط.

والدولة التي تعتقل شيخ عشيرة يطالب بالتهدئة، ولا تمس من غرز السكين، ليست حيادية بل منحازة

والصمت الشعبي على هذا الانقلاب في الموازين هو مشاركة غير مباشرة في إعادة إنتاج الظلم، مرة تلو الأخرى.

الوسوم: