بغداد _د.حيدر البرزنجي
حين تتحول بعض القنوات إلى أدوات للفتنة بدل أن تكون صوتًا للوطن
في زمنٍ تعقّدت فيه وسائل التواصل وتنوعت فيه مصادر الأخبار، بات الإعلام يلعب دورًا حاسمًا فيتشكيل وعي الشعوب وتوجيه الرأي العام. لكن، ما نراه اليوم في بعض القنوات المحلية العراقية لا يمتّإلى الإعلام المهني أو الوطني بصلة، بل هو أقرب ما يكون إلى صناعة ممنهجة للأوهام، وبثّ للآثام،وإشعال لنيران الفتنة في جسد الوطن.
إعلام بلا مهنية ولا وطنية
تفتقر بعض القنوات العراقية إلى أدنى درجات المهنية، بل وتفتخر بذلك أحيانًا، وكأن الخط التحريري لهاقائم على الإثارة الرخيصة وتضخيم الأحداث والترويج المستمر لأجندات تخريبية. يصورون العراق وكأنهعلى شفا حفرة من الانهيار، وكأن الحرب قاب قوسين أو أدنى، وكأن لا أمل في أي إصلاح أو استقرار.
كما يقول المثل العراقي: “بزون تدعو على أهلها بالعمى”. هذه القنوات لا تكتفي بنقل الأخبار، بل تدعوصراحة إلى الخراب، وتبتهج بكل شرّ يحلّ بالبلد، وكأنها تتمنى النهاية للعراق وأهله.
صناعة الخوف والفتنة
تقوم بعض هذه الوسائل الإعلامية ببث مواد تتسم بالتحريض والتشكيك ونشر الإشاعات، تارة تحتغطاء “التحليل السياسي”، وتارة أخرى باسم “الحرية الإعلامية”. والنتيجة: مواطن مرتبك، خائف، فاقدللثقة بكل شيء، ومجتمع مقسوم على نفسه بفعل خطاب الكراهية والطائفية.
الأسوأ من كل هذا، أن تلك القنوات لا تُحاسَب، ولا تُسأل عمّا تفعل. وكأن الفتنة التي تزرعها يوميًا بينأبناء الشعب ليست جريمة تستحق العقاب.
مسؤولية الدولة والمؤسسات
إن غياب الرقابة الجادة على المحتوى الإعلامي شجّع هذه الأصوات المسمومة على التمادي. هناكضرورة مُلحة لتفعيل دور الهيئات المستقلة مثل هيئة الإعلام والاتصالات، لوضع حدّ لهذه الفوضىالإعلامية، ومعاقبة من يُروّج للإشاعات والخطابات التحريضية.
الإعلام الحقيقي شريك في البناء
الإعلام الوطني الحقيقي لا يصنع الوهم، بل يكشف الحقيقة ويُحافظ على النسيج الاجتماعي، ويدفعباتجاه الإصلاح، ويقف إلى جانب المواطن لا ضده. ما نحتاجه اليوم هو إعلام نزيه، شجاع، محترف، يُعليمصلحة العراق فوق أي مصلحة ضيقة أو أجندة خارجية.
المواطن الواعي هو خط الدفاع الأول
لم يعد المواطن متلقيًا سلبيًا كما كان في الماضي. في ظل هذا التلوث الإعلامي، المسؤولية الكبرى تقععلى عاتق الناس أنفسهم. فلنحذر من الوقوع في فخّ الإعلام المأجور، ولنُحسن اختيار مصادرنا، ونُسهمفي كسر دائرة الكراهية بالتفكير النقدي والوعي العالي
