منصة ثقافية أدبية

في ذكرى رحيله: الإمام الخميني… الثائر التنويري والإمام المجدد*


بتاريخ يونيو 11, 2025 | في مقالات

المشاهدات : 15


*محمد عبد الجبار الشبوط*

في مثل هذه الأيام من شهر حزيران، تمرّ بنا ذكرى رحيل الإمام آية الله روح الله الموسوي الخميني(1902–1989)، وهي ليست مجرد ذكرى لوفاة شخصية دينية، بل محطة تأمل في أثر رجل تجاوز حدودبلده وقوميته، ليمسّ روح الأمة وقضاياها في عمقها الإنساني والحضاري.

لقد كان الإمام الخميني ثائرًا من طراز نادر، ومجددًا في الفكر الإسلامي، ومتصوفًا يحمل قلبًا كبيرًا. وفيهذا المقال، نحاول استحضار جوانب من إرثه الذي لا يزال يلهم الأحرار والباحثين عن معنى الدينوالعدل في عصر مضطرب._

أولًا: الثورة ليست غضبًابل وعي

الثورة في فكر الإمام الخميني لم تكن انفعالًا لحظيًّا، بل خيار روحي وأخلاقي نابع من إيمانه بأن الإسلامدين يقوم على مقاومة الظلم، وتحقيق كرامة الإنسان. وقد استند في مشروعه الثوري إلى:

الفهم العميق للفقه الجعفري، مع تجديد في نظريةولاية الفقيه”.

تراث الفلاسفة والمتصوفة، لا سيما في مزج البعد الروحي بالمسؤولية السياسية.

قراءة الواقع الاجتماعي والسياسي قراءة شجاعة، لا تجمّله ولا تخضع له.

لم يكن خروجه على الشاه مجرّد موقف سياسي، بل كان تعبيرًا عن رؤية حضارية ترى أن الإنسان المسلملا يمكن أن يكون تابعًا لمستعمر، أو صامتًا أمام طاغية.

ثانيًا: الإمام كمفكر مجدد

رغم شهرته السياسية، فإن للإمام الخميني إرثًا فكريًا عميقًا قلّما يُتناول في الإعلام. فقد كتب في:

الأخلاق والعرفان (مثلالأربعون حديثًا، وشرح دعاء السحر”)

الفقه السياسي والاجتماعي (مثلالحكومة الإسلامية”)

فلسفة الجهاد والمقاومة كوظيفة روحية قبل أن تكون سلاحًا.

ما يميز فكره هو التحرر من الجمود الفقهي دون الانفصال عن الأصول، وهذا ما جعله نموذجًا للتنويرالديني: لا يُسقط الدين، ولا يُجمده في قوالب الماضي.

ثالثًا: البعد الإنساني والروحي في شخصية الإمام

بعيدًا عن السياسة، كان الخميني رجلًا زاهدًا، متواضعًا، يحمل روحية عارف كبير. عاش بسيطًا، ومات كماعاش، دون ترف أو مظاهر، وقد أبكى الملايين من الفقراء والمستضعفين، لا لأنه حكم، بل لأنه أحبّهموناصرهم وصدّق قضاياهم.

وكان يؤمن بأن جوهر الإسلام هو الرحمة والعدالة والعقلانية، وليس الطقوس الفارغة أو العنف المجرد. وكان يخاطب الشعوب بروح الحب والمقاومة معًا.

رابعًا: الإمام الخميني في الذاكرة العربية

رغم كونه إيرانيًا، فإن الإمام الخميني أصبح رمزًا عربيًا وإسلاميًا وعالميًا لكل من قاوم الاستعمار، ورفضالتبعية، وسعى لتحرير الإرادة الشعبية.

في فلسطين، رُفع اسمه في ساحات المقاومة.

في العراق ولبنان، ألهم حركات التحرر والفكر المستنير.

في المغرب العربي، تُرجم فكره إلى أطروحات تتجاوز المذهبية.

لقد تجاوز حدود الطائفة والجنسية، لأنه خاطب الإنسان في جوهره، لا في هويته الضيقة.

إن ذكرى وفاة الإمام الخميني ليست مجرد لحظة حزن على رجل رحل، بل دعوة حية لاستحضار الوجهالأصيل للدين حين يكون محرِّكًا للتحرر، ومنبعًا للكرامة، وأفقًا للعقل والتجديد.

لقد كان الإمام رجلًا من الزمن القادم، لا الماضي. رجلًا حلم بـحكومة المستضعفين، ودولة لا تفصلبين الروح والعدالة. وفي عالم تزداد فيه الفجوات بين الدين والحياة، تظل ذكراه شعلة تضيء الطريقلكل من أراد أن يكون حرًّا ومسؤولًا ومؤمنًا في آنٍ معًا.

الوسوم: