حسـين العظماوي
يُعد المال السياسي في العراق واحدة من أبرز المشكلات التي تواجه النظام السياسي، لما له من أثر بالغ في تقويض العدالة الانتخابية وإلغاء مبدأ التنافس العادل، إضافة إلى أستخدامه لشراء الذمم، وتضليل الناخبين.. وهذا ما ساهم في التأثير سلبياً على عملية المشاركة في الانتخابات.
بعد عام 2003، تأسس النظام السياسي العراقي على أساس “الديمقراطية التوافقية”، والتي ترتكز على تقاسم السلطة بين المكونات الثلاثة الرئيسية، مع مراعاة ما يُعرف بـ”الأغلبية الاجتماعية”. وبدلاً من التعامل مع الاستحقاق السياسي كاستحقاق دستوري مبني على الكفاءة والتمثيل الحقيقي، جرى اختزاله إلى مكسب سياسي يُوظَّف لخدمة مصالح انتخابية ضيقة.
في هذا السياق، تحوّل التنافس بين القوى السياسية إلى صراع للهيمنة على المؤسسات الحكومية ذات الموارد المالية الضخمة، حيث يتم استغلال هذه الموارد بصورة بشعة لتأسيس شبكات من “الزبائنية الانتخابية”. ولعل ما جرى في “وزارة العمل والشؤون الاجتماعية” خلال انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، مثلاً واضحاً لأستغلال مواد ومؤسسات الدولة انتخابياً..
أما الشكل الأوسع انتشاراً للمال السياسي، فيتمثل في الإنفاق الانتخابي المفرط الذي تخصصه الأحزاب السياسية التقليدية خلال فترات الحملات الانتخابية. إذ تُنفق مبالغ خيالية على الدعاية لقوائمها ومرشحيها، تصل أحياناً إلى مئات الملايين. على سبيل المثال، يبلغ حجم الإنفاق على الحملة الانتخابية لأحد مرشحي واحد الأحزاب السياسية المنضوية ضمن الإطار التنسيقي نحو 500 مليون دينار عراقي، في محافظات الوسط والجنوب، وهذا المبلغ يفوق ميزانية بعض التحالف كاملةً في هذه المحافظات…
هذا الواقع خلق تحديات كبيرة، ليس فقط أمام القوى السياسية الناشئة، بل حتى أمام الأحزاب التقليدية، التي بدأت تعاني من شحّه واضحة في عدد المرشحين. فقد تحوّل الترشيح في بعض الحالات إلى “مهنة مربحة”، لا تُمارس بهدف الوصول إلى السلطة، بل بغرض الحصول على مبالغ مالية ضخمة، والأستفادة من فوضى الإنفاق وغياب الرقابة.
وقد أسهمت هذه الظاهرة في تقويض العدالة الانتخابية وغياب الشفافية في التنافس، ما دفع بعض القوى السياسية غير المشاركة في السلطة، خصوصاً ما يُعرف بالأحزاب “المدنية”، إلى البحث عن حلفاء يمتلكون رأس مال يمكن أن يدعم حملاتهم الانتخابية.
ويُعد تحالف بعض القوى السياسية المدنية مع السيد “عدنان الزرفي” ضمن “تحالف البديل” الذي أُعلن عنه مؤخراً، مثالاً واضحاً على هذا التوجه، حيث أصبح رأس المال أحد أبرز دوافع التحالف السياسي، ويشكل أهمية أكثر من المشتركات الفكرية (إن وجدت).
من الناحية المنطقية، من المفترض أن يكون هناك تنظيم ورقابة على الأنفاق الانتخابي، وسقف محدد للدعاية الانتخابية للفرد والقائمة، مع تفعيل دور الأجهزة الرقابية ذات العلاقة، لضمان شفافية ونزاهة الانتخابات. إلا أن هذا المطلب يبدو شبه مستحيل في ظل هيمنة القوى السياسية ذاتها على المؤسسات الرقابية…