د.عادل جعفر
استشاري الطب النفسي
يشيخ الجسد… هذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان…. تتعب المفاصل، يضعف البصر، ويبطؤ الإيقاع.
لكن الأخطر من ذلك كله: أن تشيخ النفس قبل الجسد، وأن يدخل الإنسان مرحلة “الاستسلام الداخلي” وهو ما يزال واقفًا على قدميه.
كثيرون يختصرون الشيخوخة في بعدها البيولوجي فقط، كأنها عملية فيزيائية صامتة لا علاقة لهابالمشاعر، ولا بالأحلام، ولا بالمعنى. يتعاملون معها كمرضٍ لا كمحطة إنسانية. لكن الحقيقة أنالشيخوخة لا تسكن في الخلايا وحدها… بل تسكن في الداخل أولًا.
الشيخوخة النفسية تبدأ حين:
يتوقف الفضول…. يذبل الأمل….. يتحول المستقبل إلى فكرة مخيفة بدل أن يكون مساحة انتظار.
حين يقول الإنسان بهدوء: “انتهى دوري”.
وهنا تحدث المفارقة: قد يشيخ شاب في الأربعين، وقد يظل ثمانينيٌّ مشتعلاً بالحياة.
ليست السنوات هي التي تستهلك الإنسان، بل طريقة تعامله معها.
هناك من يعيش عمره وهو يعدّ الخسارات، وهناك من يعيش وهو يجمع المعاني.
الأول يشيخ سريعًا… والثاني يتقدّم في العمر دون أن ينطفئ.
علم النفس الحديث لم يعد يرى الشيخوخة مسيرة انحدار فقط، بل مرحلة تحوّل. نعم، هناك تراجع فيبعض الوظائف، لكن في المقابل تنضج الانفعالات، يهدأ الصراع، وتتبلور الحكمة. الفرق ليس فيالجسد… بل في طريقة السكن داخله.
المشكلة أن المجتمع غالبًا ما يصنع الشيخوخة النفسية بأيديه.
حين يُقصى الكبير عن النقاش!!.
حين يُختزل في كلمة “متقاعد”!!.
حين يُعامل كعبء لا كذاكرة حيّة!!.
هنا تبدأ روحه بالانكماش.
كثير من الاكتئاب عند كبار السن لا يأتي من الألم، بل من الشعور بأنهم أصبحوا فائضين عن الحاجة.
وفي المقابل، حين يُمنح الإنسان دورًا، واحترامًا، وحوارًا، ونشاطًا، لا تتأخر الشيخوخة النفسية كثيرًافحسب، بل قد لا تأتي أصلًا. القراءة، التعلم، الضحك، المشاركة… ليست كماليات، بل مقاومة داخليةضد الذبول.
الشيخوخة البيولوجية قدر…
أما الشيخوخة النفسية فاختيار.
وأخطر ما في الأمر أن الإنسان قد يشيخ من الداخل دون أن يلاحظ ذلك:
حين يخاف من التغيير..
حين يرفض الجديد فقط لأنه جديد..
حين يدافع عن ركوده بوصفه “حكمة”..
ليست التجاعيد ما يخيف في الشيخوخة…
بل أن يصبح القلب متعبًا من المحاولة!!.
