فتاح الكعبي
من الصعوبة بمكان وضع تعريف محدد للشعبوية كظاهرة سياسية منوعة تشمل أطياف سياسية وطائفية واثنية وغيرها . لكن مايميز الخطاب السياسي الشعبوي كما هو عند السياسيين السنة في العراق ، والذي ظهر واضحا بعد عملية التغيير واسقاط النظام البائد 2003 ، هو اشبه بالايديولوجيا الجزئية ذات البنية المحدودة والقريبة إلى الخطاب اللفظي والمزاج الشعبي الذي يستعين بايديولوجيا طائفية تساعدها في الترويج لافكارها بين الجمهور . وقد انتشر هذا النمط من الخطاب منذ تأسيس ما يسمى بالدولة العراقية 1921 كمرحلة اولى وبعد ثورة 14 تموز 1958 كمرحلة ثانية استمرت إلى سنة 2003 بسقوط السلطة الدكتاتورية. اقترنت هذه المرحلة بظهور كثير من المفردات ذات الايحاءات العرقية والطائفية والمناطقية مثل (الشروكية ) إشارة إلى انصار الزعيم عبدالكريم قاسم ومفردة (شين تكعيب) التي تعني (شيعي /شروكي/شيوعي) . وأخذ هذا الخطاب الشعبوي استمراريته إلى مابعد 2003 كنوع من الخطاب السياسي يتداخل فيه المستوى الخطابي والمستوى السلوكي، ويتفاعل مع مزاج شعبي غاضب لجمهور فقد السلطة التاريخية حسب معتقده ، وفقد حزب واحد وقائد ضرورة واحد مقابل نظام جديد يمناز بالتعددية الحزبية وظهور نخب سياسية وحاكمة جديدة ، وغياب طابع البداوة العشائرية من هيكلة النظام السياسي الجديد ، ودخول التطرف الديني والسياسي إلى البيئة السياسية والاجتماعية السنية التي حولت الخطاب الشعبوي إلى خطاب (السيادة) ، ورفع عناوين تحت هذا المعنى كمحاولة من اليمين المتطرف لفرض سيطرته على هذه الجماهير بعد غياب الحزب الاوحد مقابل مجموعة جديدة (الذيول ) و(الغوغائيين ) . لقد ذهب السياسي السني إلى اعتماد ستراتيجية سياسية شعبوية تقوم على مبدأ(نحن) و (هم) والتي اعتمدها لمخاطبة المزاج الشعبي في سعيه للوصول إلى السلطة ، محاولا تركيزها في يده ومحافظا على الإتصال المباشر والحماسي مع الجمهور بلغة (المقاهي) وهي لغة عادة ما تكون غير دقيقة ومبهمة ، وانه خيار هذه الجماهير والممثل عنهم . ان هذا النوع من الخطاب او الاسلوب أو التعبئة أو اي اسلوب آخر الغاية منه استمالة الجماهير ،اصبح نعتا يوصف به هذا السياسي إلى غير ذلك من الممارسات التي يقوم بها اغلب السياسيين السنة، من أجل الحصول على دعم الجمهور في العمليات الانتخابية . تمتاز شعبوية الخطاب السياسي السني باخفاقها الديمقراطي الذي انتشرت من خلاله واقترابها من الاوتوقراطية(السلطة الفردية ) المتمثلة بالزعيم او الشيخ، وظهور عناوين فرعية قريبة إلى الفردية منها إلى الديمقراطية تتخفى بمسميات السيادة والفتوحات داخل المناطق والتقدم على اسوار المركز . من مخاطر الخطاب الشعبوي هو اثارة العواطف والحماسة ، كما يقوم على فكرة ان المجتمع منقسم وفي حالة صراع بين قوى مضطهدة (نحن) وقوى متسلطة (هم) ، ويجد هذا الخطاب التحريضي آذانا صاغية بين جماعات مختلفة في المجتمع لانه يقدم الحلول السهلة وان كانت كاذبة لمشكلات معقدة ، وبالتالي يقود إلى اعتماد انقسام المجتمع إلى مجموعتين وظهور الاستقطاب السياسي والخصومة وانعدام إحترام سيادة القانون، ويشيع بين صفوف الناخبين مشاعر المظلومية والاحباط والاستياء من النظام السياسي. وتاسيسا على هذا النهج نلاحظ إن الخطاب الشعبوي السني يقترب من نمط أحزاب الأشخاص أكثر من أحزاب البرامج واحزاب النخب . واحدة من المفارقات الغريبة في هذا السياق، ان الديمقراطية تتنافى مع الشعبوية لكن الأخيرة تنشط من خلالها لاتاحتها مساحات التعبير عن الرأي . والمفارقة الأخرى، ان الزعماء الشعبويون عادة ما يكونون من خارج السلطة وكذلك الاحزاب بينما تجد زعماء السنة واحزابهم في قلب السلطة ويتمتعون بامتيازاتها . وصف صحفي الشعبوية في بلده (تقدم الشعبوية وصفة جاهزة لها سمة عالمية قوامها ما يلي : ابحث عن الجرح الذي يتشاركه الكثيرون والق اللوم على شخص ما ، واصنع قصة جيدة تروى ، ثم امزج الكل معا . اخبر الجرحى إنك تعرف كيف يشعرون وإنك وجدت الأشرار وسمهم بأسمائهم، ثم قدم نفسك كمنقذ . التقط خيال الناس ، وانس أمر السياسات والخطط، فقط ابهجهم بقصة تسردها تبدأ بالغضب وتنتهي بالانتقام الذي يمكنهم المشاركة فيه ) كاتب عراقي*
