سهير عمارة / كاتبة مصرية
الحوادث تتكرر… ولا حساب
منذ تولي كامل الوزير وزارة النقل، لم يمر عام إلا وكانت مصر على موعد مع كارثة دامية. حوادث القطارات لم تتوقف: عشرات الأرواح تُزهق، ومليارات تُهدر في مشروعات “تجميلية” بلا تخطيط استراتيجي. المفارقة أن وزير النقل السابق هشام عرفات أُقيل على خلفية حادث واحد، بينما كامل الوزير ظل محصنًا من أي مساءلة، بل حُمل على الأعناق ومنحوه صلاحيات أوسع.
فلماذا يُعفى وزير من منصبه فور وقوع حادث، بينما يبقى آخر في مكانه رغم عشرات الكوارث؟ أهو مجرد صدفة؟ أم لأن كامل الوزير أصبح “الصندوق الأسود” للسلطة، خطًا أحمر لا يجرؤ أحد على المساس به؟
من النقل إلى الصناعة… مزيد من الصلاحيات
لم يكتف النظام بالإبقاء على كامل الوزير في وزارة النقل، بل منحه نفوذًا أوسع بتكليفه بوزارة الصناعة والتجارة الخارجية. قرار أثار التساؤلات: كيف يجمع رجل واحد بين قطاعين حيويين، بينما يئن الاقتصاد تحت وطأة الديون الخارجية والانهيار الصناعي؟
بدلًا من المحاسبة على الفشل، جرى تعزيزه بالسلطات وكأنه “المنقذ الوحيد”. لكن الحقيقة على الأرض تقول العكس: المشاريع تُدار بعقلية المقاول المبتديئ لا بعقلية الدولة، والنتائج كارثية على الاقتصاد والمواطن.
ملف الملابس المستعملة… ضربة للفقراء والتجار
أحدث قراراته في وزارة الصناعة فجرت الغضب: حظر استيراد الملابس المستعملة، الذي لم يضرب فقط آلاف التجار الذين بنوا أعمالهم على هذا السوق الشعبي، بل حرم ملايين المصريين من مصدر أساسي للملابس بأسعار تناسب دخولهم.
القرار لا علاقة له بحماية الصناعة كما يُروّج، بل بفتح الطريق أمام مستوردين كبار واحتكارات بعينها. النتيجة: ارتفاع الأسعار، وضياع رأس مال صغار التجار، وإضافة عبء جديد على الأسر المصرية التي لم تعد تتحمل.
أزمة شحنات المصريين بالخارج… صفعة للثقة الوطنية
ولم يتوقف الأمر هنا. فقد ظهرت أزمة حجز شحنات العاملين المصريين بالخليج في جمرك سفاجا، حيث تم التعامل مع أمتعتهم الشخصية كأنها تهريب تجاري. غضب عارم اجتاح الجاليات بالخارج: كيف يُهان المصري الذي يُرسل عملته الصعبة للوطن وتُحتجز متاعه؟
هذه الأزمة لم تضر فقط بسمعة الدولة، بل أضرت بثقة المصري المغترب الذي قد يعيد التفكير في تحويل مدخراته إلى بلده. أي خسارة أكبر من أن نفرّط في تحويلات المغتربين، وهي شريان حياة للاقتصاد المصري المنهك؟
مصالح خفية ومشاريع مشبوهة
وراء هذه القرارات تُطرح أسئلة عن مشاريع يديرها الوزير من الباطن داخل وخارج مصر. تقارير عديدة تحدثت عن ارتباط اسمه بشركات لها امتيازات خاصة في مجالات النقل والبنية التحتية، وصفقات مع أطراف خليجية وأجنبية. إذا صحت هذه المعلومات، فإننا أمام تضارب مصالح خطير، حيث يتحول الوزير من صانع قرار إلى طرف مستفيد من قراره.
الأثر على الاقتصاد والديون
النتيجة واضحة:
• ديون خارجية متصاعدة بسبب مشروعات بلا عائد حقيقي.
• انكماش الصناعة المحلية تحت وطأة القرارات المرتجلة.
• تدهور ثقة المستثمرين نتيجة غياب الشفافية.
• إفقار المواطن الذي يدفع ثمن القرارات من جيبه اليومي.
رأي الكاتب
كامل الوزير ليس مجرد وزير. هو نموذج صارخ لتحول السلطة إلى ملكية خاصة، حيث لا حساب ولا مساءلة، بل حماية وتعزيز نفوذ رغم الفشل. نظام يحمي رجاله مهما ارتكبوا، بينما يدفع المواطن البسيط وحده الفاتورة.
كلمة صريحة
إلى كامل الوزير أقول:
قد تظن أن الحصانة تدوم، وأن الملفات ستظل مغلقة، وأنك باقٍ فوق المحاسبة. لكن التاريخ لا يرحم. ما بني على الدم والديون والانكسار لن يصمد. كل قطار تحطم، وكل تاجر أفلس، وكل مغترب أُهين، سيظل شاهدًا على حقبة سيتذكرها الناس كزمن فساد وتسلط باسم الوطنية.
وإن كان النظام يعتبرك خطًا أحمر، فلتعلم أن الخطوط الحمراء الحقيقية هي دماء المصريين وكرامتهم واقتصادهم. وما دون ذلك مجرد وهم… سينهار حين يسقط القناع
نداء إلى الرئيس الأب الروحي لشعب مصر
السيد الرئيس…
لقد بلغ السيل الزبى. لم يعد الشعب يحتمل مزيدًا من الاستهتار بمصالحه ولا التلاعب بمستقبله. استمرار كامل الوزير في منصبه رغم كل هذه الكوارث هو رسالة واضحة بأن الفساد محمي من أعلى المستويات.
إن لم يُحاسَب وزير يُثقل البلاد بالديون، ويضر بمصالح المصريين في الداخل والخارج، ويغامر بسمعة الدولة في الأسواق الدولية، فمَن سيُحاسب إذن؟
المطلوب واضح وصارم:
1. إقالة فورية للفريق كامل الوزير من جميع مناصبه.
2. فتح تحقيق قضائي ومالي شفاف حول كل مشروعات النقل والصناعة التي أُديرت في عهده.
3. رفع يد الحماية عن أي مسؤول، أياً كان موقعه، أمام القضاء والمحاسبة الشعبية.
4. إعلان خطة إنقاذ اقتصادية توقف نزيف الديون وتعيد الاعتبار للمواطن البسيط
إن المسؤولية أمام التاريخ، وأمام الله، تفرض عليك يا سيادة الرئيس أن تتخذ قرارات حاسمة وفورية، بعيدًا عن المجاملة أو الحسابات الضيقة. مصر أكبر من الأشخاص، وأبقى من كل الأسماء.
⸻
✍️ إمضاء: قلم يكتب باسم الشعب المقهور، وضمير لن يصمت
د. سهير عمارة
