منصة ثقافية أدبية

الرسول… الإنسان قبل الأسطورة


بتاريخ أغسطس 25, 2025 | في اراء حرة

المشاهدات : 56


فلاح الكلابي

في ذكرى وفاة النبي الكريم (ص)، يطفو السؤال الذي نحاول الهروب منه منذ قرون كيف تحول رسول الهداية إلى شخصية مشوهة في أذهان كثيرين؟ وكيف صمتنا طويلا حتى صار الكذب جزءاً من تراث يقدس؟

محمد لم يأتي ليبني دولة جباية أو ليؤسس سلطة تخدم نخبة ضيقة جاء ليهدي الناس إلى الحق ليقيم ميزان العدل ليضع الإنسان فوق القبيلة والعرق والمصلحة. عاش نظيف اليد، واضح المبدأ، صلب الإرادة. حورب أوذي، رُميت عليه الحجارة في الطائف، لكنه ظل ثابتاً على قيمه لا يساوم على رسالته.

لكن بعد رحيله بدأت المأساة الحقيقية.

دخلت السلطة إلى الدين فبدأت صناعة روايات تشوه سيرته لتبرير واقع جديد خلفاء يستبدون، أمراء يغرقون في ترف القصور، وسلطة تحتاج نصوصاً تدعمها. نسجت أحاديث تصور النبي وكأنه رجل ضعيف مريض، تائه، محاط بالنساء، أو حتى شخص حاول الانتحار. هذه الأكاذيب لم تكن اجتهادات خاطئة، بل مشروعاً ممنهجاً لتشويه الأصل حتى لا تبقى الرسالة خطراً على الحاكم.

ومع مرور القرون، ورثنا تراثاً ملغوماً.

تراثاً يتحدث باسم النبي لكنه يسيء إليه أكثر مما يسيء أي كاريكاتير غربي. الغرب لم يخترع الصورة المشوهة وجدها جاهزة في كتبنا فأعاد إنتاجها بلغته. وعوض أن نواجه الجذر الحقيقي للمشكلة اكتفينا بالاحتجاج على القشور، نحرق صوراً ونرفع شعارات، بينما جوهر الظلم باقي في الداخل.

الحقيقة أن سكوتنا هو الجريمة الكبرى.

نحن من تركنا سيرة النبي رهينة روايات مختلقة. نحن من قبلنا أن يُختزل الإنسان الذي غير مسار التاريخ في صورة لا تمثله. نحن من حولناه من معلم للحرية والعدل إلى رمز يُستعمل لتخدير العقول وتثبيت الاستبداد.

اليوم، إذا أردنا إنصاف محمد فلابد من شجاعة فكرية تعيد بناء الوعي. شجاعة تقول إن مراجعة التراث ليست خيانة، بل واجب أخلاقي وتاريخي. شجاعة تعيد قراءة سيرته بعيداً عن سلطة الموروث وضغط الجماعات، لتكشف الحقيقة كما هي نبي حر، صاحب خلق عظيم، ورسالة لا تخضع لمساومات السياسة ولا لتحريف الرواة.

يكفي أن نعود إلى شهادة القرآن، الكلمة التي لا يُلغيها زمن وإِنك لعَلى خُلقٍ عظيم

بهذه الكلمات الثلاث ينتهي كل جدل. من أراد أن يعرف النبي حقاً، فليبدأ من هنا، لا من الروايات التي صاغها بشر ليخدموا بشر.

الرسول الكريم ليس بحاجة إلى من يدافع عنه بالصوت العالي، بل إلى من يملك جرأة تنقية الصورة، وذكاء كشف الجذور ووعي إعادة بناء الذاكرة الجمعية للمسلمين فالحقيقة التي تُقال بوضوح أقوى من ألف رد فعل غاضب والعدالة التي تُعاد إلى صاحبها أكبر من أي معركة إعلامية.

 

الوسوم: