منصة ثقافية أدبية

الجريمة والمحيط الاجتماعي. ناجح صالح. العراق


بتاريخ يوليو 27, 2025 | في اراء حرة

المشاهدات : 161


لبست الجريمة الا صورة من صور الصراع بين النفس الضالة والمحيط الاجتماعي الذي ما يفتأ يغذيها بكل عوامل الانحراف والشذوذ لاسيما اذا كانت الأسرة قد افتقدت مقومات الحب والرعاية .

ان الأسرة هي التي توفر المناخ المناسب لسلوك أفرادها سواء كان هذا السلوك معتدلا أو شاذا ، ثم يأتي المحيط الاجتماعي ليضع بصمته على هذه المسيرة .

وقد اختلف علماء النفس والاجتماع في تفسير هذه الظاهرة ، فمنهم من يرى أن الوراثة هي التي تقرر سلوك الفرد ، بينما يرى البعض الآخر أن المحيط الاجتماعي هو الذي يحدد هذا السلوك.

فالمجتمع الزراعي غير المجتمع الصناعي ، اذ تكاد الجريمة تنعدم في الأرياف لتشابك العلاقات الاجتماعية وصلة القرابة والرحم وبساطة الحياة ، بينما تعج المدن بأنواع الجرائم لاسيما المدن الصناعية المكتظة السكان ، الذين اختلفت أصولهم ومشاربهم ، وليس من ثمة رابطة تجمعهم .

فالمجتمعات الغربية على سبيل المثال أصابها الترف وسادتها النزعة المادية وافتقدت القيم الروحية، لذا انتحت نهجا صار فيه تعاطي المخدرات بين الشباب أمرا شائعا مقبولا ، كما أن الزنا لم يعد مستهجنا .. انها جرائم على نحو خطير تهدد كيان المجتمع غير أنهم ارتضوه كواقع مسلم به .

ما ينبغي قوله أن الجريمة هي جريمة مهما كان شكلها ونوعها ، وقد شرعت الحكومات عقوبات لكل جريمة سواء كانت سرقة أو زنا أو قتل أو ما شابه ذلك لحماية المجتمع من الأخطار التي تهدده ، كما أن الأديان السماوية حرمت كل ما يمت الى الجريمة بصلة واعتبرتها تجاوزا على كرامة الانسان .

ان أثر المحيط الاجتماعي يلعب دورا بارزا في ازدياد معدل الجريمة أو انخفاضها ، فالمجتمع الشرقي هو غير المجتمع الغربي من حيث القيم والتقاليد والأخلاق عموما .

ولم يكن المجتمع العراقي يعرف العنف والجريمة فيما مضى من الزمن الا فيما ندر ، الا أنه اليوم طرأت عليه متغيرات قلبت ميزان المعادلة بشكل لا سابق له ، فأصبح القتل ظاهرة يومية تطال العشرات من الأبرياء دون أسباب .

لقد أفرز الاحتلال هذه الظاهرة الخطيرة منذ أول يوم وطئت فيه قدماه أرض الوطن اذ أثار الفتنة وفتح أبواب النعرات الطائفية ليكون هو سيد الموقف في حسم هذا الصراع الدامي المخيف ، في حين كانت العاطفة الدينية هي التي كانت تهز الوجدان وتحرك المشاعر نحو الخير والفضيلة لتنقلب فيما بعد الى شرارة تحرق الجميع بلا استثناء .

وهكذا أصبح المحيط الاجتماعي الجديد موبوءا بالجرائم تنفس فيه اللصوص والسفاحون حريتهم دون قيد أو شرط على مرأى من قوات الاحتلال دون اتخاذ اجراءات رادعة لكبح الفاعلين .

خطف واغتيال وتهجير ومطاردة عقول علمية وسلب ثروة وطن بينما يضيع القانون أو يختفي وسط هذه الدوامة المفزعة .

فهل نستسلم أم تكون لنا ارادة أقوى من كل المتغيرات الطارئة التي تريد أن تمحو هوية وطن وأصالته ووحدته وتماسكه ؟

الوسوم: