في ظهيرة الجمعة الماضية، ظهر غراهام أرنولد أمام الإعلام العراقي بثبات مدربٍ لا يُجيد المواربة، ولا يحب أن يتحدث كثيرًا عن نفسه. قالها منذ اللحظة الأولى: “أنا سعيد بتواجدي في بغداد، وأسئلتكم أرجو أن تكون مختصرة، لأكون واضحًا في إجابتي.”
تلك المقدّمة وحدها كانت كافية لتوضح طبيعة الرجل الذي أوكلت إليه مهمة قيادة المنتخب العراقي نحو طريق طويل، وغاية ثقيلة: التأهل إلى كأس العالم 2026.
خلال المؤتمر الصحفي، بدا أرنولد هادئًا لكن مباشرًا. لا وعود فضفاضة، بل خطة واضحة بدأت ـ حسب قوله ـ من لحظة الفوز على الأردن في التصفيات الأخيرة. “تلك المباراة خارج الأرض عزّزت من إيماني بقدرتنا على الذهاب بعيدًا. رأيت فريقًا يعرف كيف يقاتل، وكيف يصمد.”
المدرب الأسترالي، صاحب الخبرة التي تمتد لأكثر من أربعة عقود في الملاعب، أشار إلى أن تحضيرات المنتخب تمضي بخطوات محسوبة، رغم التحديات. الدوري المحلي انتهى، واللاعبون حصلوا على إجازة، لكنه أرسل إليهم رسالة مباشرة: اللياقة البدنية خط أحمر، يجب أن يحافظوا عليها حتى في فترات الراحة، لأن الملحق لا ينتظر من يتراخى.
وحين سُئل عن المباريات الودية، كشف أرنولد بوضوح أن الخيارات الإقليمية كانت شبه معدومة: “حاولنا مواجهة الإمارات، البحرين، والكويت، لكن الجداول مغلقة بالكامل. المنتخبات الخليجية جميعها محجوزة.” لذلك، قررت الكوادر الفنية المشاركة في بطولة كأس ملك تايلند، التي أصبحت فجأة الخيار الأنسب بعد انسحاب المنتخب السعودي منها.
“سنخوض مباراتين هناك. لن نواجه السعودية، ولا نبحث عن الأسماء في هذه المرحلة، بل نحتاج اختبارات فعلية تتيح لي تقييم اللاعبين. البطولة ستكون بمثابة معسكر مصغّر، نختبر فيه الجاهزية والانضباط قبل العودة إلى العراق.”
وفي الوقت الذي تنشغل فيه الجماهير بموعد نهائي كأس العراق، يؤكد أرنولد أنه لن يتمكن من حضوره، لأنه سيكون متواجدًا في قرعة الملحق الآسيوي التي تتزامن مع الحدث. من هناك، سيبدأ كل شيء.
“لا يهم من سنواجه. قطر أو السعودية أو غيرهما. المهم أن نكون مستعدين. أنا لا أبني خططي على هوية الخصم، بل على جاهزية فريقي.”
تلك الجاهزية، كما يراها أرنولد، لا تتعلق فقط بالمباريات أو التجمعات، بل تبدأ من بنية الدوري المحلي. دعا بشكل صريح إلى تعديل الروزنامة، وتنظيم الموسم المحلي بما يتناسب مع استحقاقات المنتخب. “إذا أردنا النجاح، لا بد أن نخدم المنتخب من الداخل، لا نعرقله.”
وعن ملف استضافة العراق لمباريات التصفيات، أشار إلى أن الاتحاد الآسيوي أبقى قراره كما هو، باعتماد التصنيف لتوزيع المباريات، رغم تقديم العراق طلبًا رسميًا لاستضافة مباريات مجموعته في البصرة.
وفي لحظة لافتة من حديثه، عاد أرنولد إلى الوراء قليلًا، إلى أيام كان يقود فيها أستراليا، وقال بصراحة غير معتادة:
“حينها، لم أكن أرغب بمواجهة العراق. كنت أعلم أن هذا المنتخب يملك عناصر قادرة على قلب المباراة في أي لحظة.”
أما ما ختم به كلامه، فكان كمن يختصر كل شيء في عبارة واحدة:
“لا أستطيع الانتظار للاحتفال معكم بالتأهل إلى كأس العالم.”
جملة قالها بنبرة عابرة، لكنها ليست كذلك.
إنها ببساطة: هدف، إيمان، وخطة… على لسان مدرب يعرف الطريق.

