محمد عبد الجبار الشبوط
منذ عام 2003، دخل العراق مرحلة جديدة من الحكم، تميزت بإجراء انتخابات دورية وتعددية حزبية. لكن هذه المظاهر الديمقراطية لم تُفضِ إلى نظام حكم رشيد، بل أسفرت عن ما يمكن تسميتهبـ“الأوتوقراطية الانتخابية“—نظام يُجري انتخابات شكلية تُعيد إنتاج نفس النخب الفاسدة، وتُكرّسشبكات المحسوبية والفساد.
أحد أبرز مظاهر هذا النظام هو التحالف الوثيق بين السياسيين وأصحاب رؤوس الأموال. يُموّل رجالالأعمال الحملات الانتخابية للسياسيين، مقابل الحصول على عقود حكومية وصفقات مربحة. فيالمقابل، يُمكّن السياسيون هؤلاء المستثمرين من الوصول إلى الموارد العامة. لكن الأخطر من ذلك أنالعديد من السياسيين أنفسهم راكموا ثروات هائلة من خلال استغلال مناصبهم في الدولة، عبرالعمولات والصفقات المشبوهة، وتوظيف المال العام لمصالح شخصية أو حزبية. وهكذا، لم تعدالمناصب وسيلة لخدمة المواطنين، بل تحولت إلى أدوات للإثراء السريع والهيمنة الاقتصادية.
و بدلاً من أن تكون الانتخابات وسيلة للتغيير، أصبحت في العراق أداة لإعادة إنتاج الفساد. تُستخدمالأموال الفاسدة لشراء الأصوات، وتُستغل الانتماءات الطائفية والعشائرية لتوجيه الناخبين. كماتُستخدم وسائل الإعلام المملوكة من قبل رجال الأعمال المتحالفين مع السياسيين للترويج لمرشحينمعينين، مما يُقوّض نزاهة العملية الانتخابية.
تُعاني مؤسسات الرقابة والمساءلة في العراق من ضعف شديد، نتيجة للتدخلات السياسية والتعييناتالمبنية على المحاصصة. هذا الضعف يُتيح للمسؤولين الفاسدين الإفلات من العقاب، ويُشجع علىاستمرار الفساد في مختلف مفاصل الدولة.
لمواجهة هذا الواقع، يحتاج العراق إلى إصلاحات جذرية تشمل:
– إصلاح النظام الانتخابي: وضع قوانين انتخابية تُعزز من نزاهة العملية الانتخابية وتُقلل من تأثير المالالسياسي.
– تعزيز مؤسسات الرقابة: تفعيل دور الهيئات الرقابية والقضائية، وضمان استقلاليتها عن التدخلاتالسياسية.
– محاربة الفساد: تطبيق قوانين صارمة ضد الفساد، ومحاسبة المسؤولين المتورطين بغض النظر عنمناصبهم أو انتماءاتهم.
– تعزيز الوعي المجتمعي: توعية المواطنين بأهمية المشاركة السياسية الواعية، ورفض الممارساتالفاسدة.
إن استمرار الوضع الحالي يُهدد مستقبل العراق واستقراره. لذلك، يجب على جميع القوى الوطنيةوالمجتمعية التكاتف لإحداث التغيير المطلوب، وبناء دولة تقوم على أسس العدالة والشفافيةوالمساءلة. وهذا هو بعض ما نعنيه بعنوان الدولة الحضارية الحديثة.