منصة ثقافية أدبية

قراءة موضوعية لنتائج القمة العربية في بغداد


بتاريخ مايو 28, 2025 | في مقالات

المشاهدات : 14


أ.د عبد الستار الجميلي

    قبل أن تنعقد القمة العربية، حاول طرفا المشهد الطائفي في العراق ومرجعياتهما الإقليمية والدولية،إفشال إنعقاد القمة العربية في بغداد، كل حسب منطلقاته وأهدافه.. فطرف إنطلق من أرضية الثأرالطائفي ومعاداة العرب والعروبة لإثارة الشكوك وإفتعال الأزمات مع بعض الدول العربية ونشرفيديوهات التصريحات المزيفة لمنع إنعقاد القمة أو إجهاض مفاعيلها ونتائجها الايجابية، بهدف قطعالصلات مع الدول العربية وإيقاف أية مسارات إيجابية لعودة العراق إلى حضن أمته العربية.. فيما حاولالطرف الطائفي الآخر ومن منطلق العدمية السياسية والثأر السلطوي الاستهانة بعقد القمة والتشكيكبأي قائد عربي يحضر القمة وفي إمكانيات عقدها، ورسم صورة سوداوية للعراق على انه مجرد حطام لايقوى على إدارة أي قمة أو التشكيك في جدوى أي عمل عربي مشترك، وذلك بهدف إمّا قطع صلاتالعرب بالنظام السياسي الحالي أو قطع صلات العراق بشكل عام بالعرب وإنتمائه العربي كهدف لبعضمكونات هذا الطرف.. هذا يعني ان الطرفين يلتقيان في هدف قطع علاقة العراق بالعرب، هوية وإنتماءومصيراً، كل حسب المخبوء الطائفي ونوعه الذي يحمله وإن حاولا التغطية على ذلك بالتخريجاتاللفضية المواربة التي كانت وما تزال أحد تجليات أزمة النظام السياسي الحالي الذي يتقاسمه طرفاالمشهد الطائفي وإن إدّعت بعض الأطراف غير ذلك، وفشله في الخروج من أزماته وطرقه المسدودةالمستمرة..     لكن بالرغم من هذا العصاب المستمر لطرفي المشهد الطائفي، عُقدت القمة العربية فيبغداد يوم ١٧ أيار/ مايو كما كان مخططاً لها، وكانت نتائجها في خطها العام، رغم بعض السلبياتالسياسية التي تعكس في جوانب منها عُقد وسياسات المحاور والصراعات البينية المعلن منها والمخفي،كانتإيجابية في تأكيد الإلتزام بالقضايا والروابط العربية وآليات العمل العربيالمشترك، ومن أبرز تلكالمخرجات الإيجابية:

١إنّ عقد القمة في بغداد بحد ذاته رسالة عربية واضحة في مواجهة بعض الأطراف الإقليمية، التيبذلت، ومؤيدوها المحليون، المستحيل من أجل عزل العراق عن أمته العربية، ومنع أية أعمال تُبدد هذهالعزلة، وتؤكد عروبة العراق، هوية وإنتماءً ومصيراً. وسيلعب العراق دوراً عربيا مهما خلال رئاسته للدورةالحالية عبر الإنخراط في المشاركة الإيجابية في الروابط والقضايا العربية السياسية والتنموية والحقوقيةوالإنسانية، والمساهمة في وضع الحلول للتحديات والمشكلات البينية أو الدولية التي تواجه الوطنالعربي ودوله، منفردة أو مجتمعة.

٢الموقف الحاسم في تأكيد مركزية القضية الفلسطينية ورفض العدوان والتهجير، والتأكيد على ضرورةوضع حدّ لآلة العدوان الصهيونية ومجازرها بحق شعبنا العربي الفلسطيني، والتأكيد على إدارة غزةوالضفة الغربية موحدة من قبل الدولة الفلسطينية ممثلة بالسلطة الوطنية الفلسطينية، وذلك فيمواجهة فوضى التعدد في الفصائل والسلاح والتبعية للخارج، والاستثمار على فلسطين كغطاء لإختراقالوطن العربي تحت لافتات المحاور التي أعادت القضية الفلسطينية إلى المربع الأول، مربع التقسيملعام1947، وإلى المحاولات الصهيونية لتحويل حقوق الشعب العربي الفلسطيني في أرضه ووطنه إلى مجردقضية لاجئين من جديد.

٣التأكيد على أن الجزر العربية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) التي تحتلها إيران هيجزر عربية إماراتية، وتقديم حلول موضوعية للمشكلة، إما بالتفاوض الثنائي أو التحكيم الدولي، فيمواجهة الرفض الإيراني لأية حلول على أمل فرض أمر واقع لا جدوى من المراهنة عليه في ظلّ متغيراتعربية وعالمية فرضت موازين قوى عربية وإقليمية ودولية جديدة، لن تكون بالتأكيد لصالح إيران،خصوصاً وأن جميع الأوراق التي إستثمرها نظامها الحالي قد تلاشت، وليس لها إلاّ أن تُغلب مصالحمواطنيها بدلا من أوهام الإنكار النفسية والمغامرات الخاسرة.

٤التأكيد على الحقوق المائية العربية المشروعة والمكتسبة للعراق ومصر وسورية والسودان والتضامنالكامل مع هذه الدول في مواجهة تركيا وإيرانوأثيوبيا، التي تُشكل هذه الدول الثلاثي الإقليمي المائيالخطر، في تعاملهامع هذه الحقوق العربية المشروعة كسلاح إستراتيجي ضد دول المجرى والمصبالعربية، بما يتعارض مع القانون الدولي للمجرى المائي الذي ينظم إستخدام المياه بشكل سلميوعادل، مع ضمان عدم الإضرار بالدولالأخرى.

٥التأكيد على الإعتراف بالحكومة الشرعية في اليمن ممثلة بالرئيس محمد رشاد العليمي الذي دُعيإلى القمة العربية بصفته رئيسا شرعياً لليمن وألقى كلمة بهذه الصفة، وهذه رسالة واضحة بعدم شرعيةميليشيات الحوثي التي حاولت عبر إفتعال الصدام مع الكيان الصهيوني والقرصنة في البحر الأحمرإضفاء شرعية مزيفة لإحتلالها العاصمة العربية صنعاء وبدعم إيراني مباشر، حيث أصبحت فلسطينللأسف مجرد غطاء وإستثمار أعاد القضية الفلسطينية ثمانية عقود إلى الوراء.

٦التأكيد الأكثر أهمية ودلالة حاسمة للرئيس عبد الفتاح السيسي في تأكيده القاطع بأنه حتى لو طبّعالكيان الصهيوني مع جميع الدول العربية، فإن ذلك لن يحل القضية الفلسطينية، إلا بقيام دولة عربيةفلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وهي رسالة واضحة في مواجهة مشروع ترامب والكيان الصهيونيلتوسيع دائرة ما سُميّ تزييفاً بــ(( الإتفاقيات الإبراهيمية للسلام))، وهو تأكيد يقطع الطريق على الذينتخلخل وعيهم الوطني والقومي فإختاروا السلام المستحيل المزيف والهرولة إلى التطبيع مع الكيانالصهيوني لأسباب ذاتية في أغلبها، أو لأسباب موضوعية كانت فوق حدود وعيهم المتخلخل وقدراتهمالمُعطّلة على وضعها في سياق الإستجابة الواقعية لها، ففضلوا الإستسلام والتبرير.

7- التفاعل الإيجابي مع بعض النزاعات والتوترات العربية الداخلية، خصوصاً في سورية ولبنان وليبياواليمن والصومال، وطرح حلول وآليات سياسية ومؤسسية من منطلقات موضوعية جامعة تضع في نظرالإعتبار المصالح الوطنية والقومية العليا والأمن القومي العربي والأمن الوطني لكل دولة عربية، علىالرغم من الصعوبات والعُقد التي تكتنف هذه النزاعات، التي من المفترض أن تتراجع وتُحسم فيمواجهة كثافة المشاريع العدوانية الدولية والإقليمية المتزامنة والمتخادمة، التي تسنهدف كامل الوطنالعربي، وجوداً وهوية ودولا وإنساناً ومستقبلاً ومصيراً، ولن تستثني أحداً.

7- لا يٌقلّل من أهمية مؤتمر القمة العربية عدم حضور غالبية القادة العرب وإرسال ممثلين عنهم، فأغلبمؤتمرات القمة العربية إن لم يكن جميعها، لم تشهد حضوراً لكل القادة العرب، حيث تَحول دون ذلكمختلف الظروف والإلتزامات الإستثنائية، وإن شهد بعضها ظلاً من الخلافات البينية التي تحول دونالحضور الجماعي، لكن مع ذلك فقد مثّل بيان مؤتمر القمةالعربية رؤية عربية شاملة صاغتها الدولالعربية مجتمعة مممثلة بوزراء الخارجية العرب، تناولت جميع القضايا والتحديات والمخاطر التي تواجهالوطن العربي في هذه المرحلة الإستثنائية شديدة التعقيد والصعوبات.

الوسوم: