: هدى زوين
في عصر تداخلت فيه المفاهيم وتعددت المنصات، بات من الشائع الخلط بين مفهوم “الإعلامي” و“الصحفي“، وكأن المصطلحين يشيران إلى ذات الدور أو الشخصية. إلا أن الواقع، وإن كان يحمل بعضالتشابه بينهما، يضع كلًا منهما في خانة مهنية تختلف في المهام، الرؤية، وحتى التأثير.
من هو الإعلامي؟
الإعلامي هو الوجه العام للمحتوى الإعلامي، سواء عبر التلفاز، الإذاعة، أو المنصات الرقمية. قد يكونمقدم برامج، معدًا، مخرجًا، أو حتى مديرًا لمؤسسة إعلامية. مهمته لا تقتصر على نقل المعلومات، بلتمتد إلى التأثير في المتلقي من خلال طريقة التقديم، اختيار المواضيع، بناء الحوار، وحتى نبرة الصوتوتعابير الوجه.
الإعلامي قد يُعنى بتقديم برامج ثقافية، فنية، سياسية، أو اجتماعية، وقد لا يكون متخصصًا في البحث أوالتحقيق الصحفي، بل يعتمد غالبًا على فريق إعداد يزوّده بالمحتوى. وهذا لا يقلل من دوره، بل يحددنطاقه: إيصال الرسالة بأسلوب فني وجذاب.
أما الصحفي… فهو عين الحقيقة
الصحفي، بالمقابل، هو الباحث، الكاشف، الراصد للوقائع. يخرج إلى الميدان، يتقصى الأخبار، يلتقيبالمصادر، يتحقق من الروايات، ويكتب المادة الصحفية التي تُعرض لاحقًا سواء في صحيفة أو على موقعإلكتروني أو حتى عبر وسيلة إعلامية مرئية.
الصحافة ترتكز على مبادئ أساسية لا حياد فيها: الدقة، النزاهة، الموضوعية، والقدرة على طرح الأسئلةالصحيحة. فالصحفي ليس مجرد ناقل للحدث، بل صانع للرأي، من خلال كشف ما وراء الخبر، وتسليطالضوء على ما يُراد له أن يُهمّش أو يُخفى.
رغم أن الإعلامي قد يحمل خلفية صحفية، وأن بعض الصحفيين قد ينتقلون إلى التقديم الإعلامي، فإنلكلّ مهنة منهما أدواتها، وتدريبها، وأخلاقياتها. الإعلامي يعمل ضمن إطار العرض والتأثير البصري أوالسمعي، بينما الصحفي يعمل ضمن إطار التقصي والنقل والتحقيق.
هذا لا يعني أن أحدهما أعلى من الآخر، بل أن العلاقة بينهما تكاملية. فالإعلامي يحتاج إلى المادةالصحفية ليعرضها، والصحفي قد يحتاج إلى الإعلامي كي تصل رسالته إلى جمهور أوسع.
مع تطور الإعلام الرقمي، برزت شخصيات هجينة تمارس الدورين معًا. فهناك من يكتب، ويحقق، ويقدّم،ويدير حوارًا عميقًا في ذات الوقت. هذه الديناميكية الجديدة فرضت واقعًا متغيرًا لم يعد يخضعلتعريفات صارمة، لكنها في الوقت نفسه تُحتم علينا أن نحافظ على معايير المهنة.
فلا يكفي أن يكون الإنسان إعلاميًا مشهورًا أو مؤثرًا على الشاشة، إن لم يكن يملك الحد الأدنى من الوعيالصحفي، والعكس صحيح.
في النهاية، قد يلتقي الإعلامي والصحفي في نقطة واحدة: إيصال الرسالة. لكن الطريق إلى هذه النقطةيختلف، في الأدوات، وفي النهج، وفي الغاية. وكلما احترم كلٌّ منهما خصوصية دوره، زادت مصداقيةالإعلام، واتسع أثره في الوعي العام.
ففي زمن يغرق بالمعلومة، نحتاج إلى إعلامي متمكن وصحفي نزيه… كلاهما عماد الحقيقة.