منصة ثقافية أدبية عراقية

يرثون الرماد ‎أطفال حرب لا نهاية لها


بتاريخ مايو 20, 2025 | في مقالات

المشاهدات : 23


 

ماريان روثمان

متخصصة في التواصل الثقافي

الأطفال رمز البراءة، والأمل، والوعد بمستقبل أفضل. لم يُخلقوا ليجوعوا. لميُخلقوا ليناموا تحتالأنقاض. لم يُخلقوا ليشهدوا الموت والتشريد واليأس. ومعذلك، في غزة، هذه هي الحقيقة القاسية التيتُفرض على آلاف الأطفال كليوم.

 

جيلٌ كامل ينشأ وسط الدمار، وقد سُرقت طفولتهم بفعل الحرب. كثيرون فقدوامنازلهم، آباءهم،إخوتهم. حُلُمهم أصبح كابوساً، وأصوات التهويداتالحنونةاستُبدلت بصدى القنابل وصفارات الإنذار. هؤلاء الأطفال لا يستيقظونعلى الرسوم المتحركة أو أجراس المدارس، بل على الخوف من أن هذا اليومقديكون الأخير.

إهداء إلى جميع الأطفال الأبرياء المتأثرين بالحروب والنزاعات.

أطفال غزة يتضورون جوعاً في أرضٍ كانت مليئة بالحياة والضحك. يُدفنونتحت المباني المنهارة،ويتجولون في شوارع أصبحت تراباً، يبحثون عن الأمانفي عالمٍ يخلو منه. يعيشون في واقعٍ حلت فيهالنجاة مكان اللعب، وحلفيهالصمت مكان الغناء.

 

الجوع ليس مجرد عنوان في الأخبار. إنه العيون الغائرة لطفل لم يأكل منذ أيام. إنه الصورة المؤلمة لأيدٍصغيرة تمتد نحو خبزٍ غير موجود. إنه تآكل بطيءللحياةفي صمت عالمٍ منسي. وبينما يتجادل العالمويتأخر، الأطفال يموتونليس مجازاً، ولا افتراضاًبل حقيقةً واقعة.

 

هم ليسوا مجرد أرقام. هم أبناء وبنات. كان لهم أسماء، وأصوات، وشخصيات، وأحلام. بعضهم أراد أنيصبح معلماً، أو طبيباً، أو فناناً، أو فقط أن يلعببسلام. لكن حياتهم قُطعت قسراً بقوى لا يفهمونها. والذين بقوا على قيدالحياة، يحملون صدمات تفوق قدرة كثير من الكبار على التحمل. أما الذين رحلوا،فقدسُرقت حياتهم قبل أن تبدأ.

 

وبالنسبة للناجين، الحرب لا تنتهي عندما تتوقف القنابل. مستقبلهم سيكونصراعاً مستمراً مع ما عاشوهمن رعبذكريات ستلاحقهم لسنوات، وربماإلى الأبد. رحلة الشفاء ستكون طويلة ومؤلمة، وقد لا يجدكثيرون منهم السلام.

 

هذه ليست أزمة إنسانية فحسب. إنها أزمة أخلاقية. ماذا يقول عن عالمنا أننالانستطيع حماية الأضعفبيننا؟ أننا لا نستطيع ضمان أبسط حقوق الأطفالالحق في الحياة، في الأمان، في أن ينشأوا بكرامة؟

 

لكل شخص، ولكل أمة، ولكل قائد يدعم أو يبرر هذه الحرب: أيديكمملطخةبالدماء. معاناة هؤلاء الأطفالنتيجة مباشرة للتقاعس، أو اللامبالاة، أودعمالعنف. التاريخ سيتذكر. وصرخات هؤلاء الأطفال ستظلتردد صداهاأطول بكثير من صمتكم.

 

يجب أن نتذكر أن آلة الحرب تُغذّى أيضاً باختياراتنا نحن. الأسهم التينستثمر فيها، والشركات التيندعمها، والسلع التي نشتريها، كلها تسهمبشكل مباشر أو غير مباشر في العنف والاضطهاد الذي يدمرمناطق مثل غزة. كل منتج، وكل علامة تجارية، وكل معاملة تجارية يمكن أن تدعم هذهالأنظمةأوتتحداها. الشركات التي تجني الأرباح من الحربمن خلال صفقاتالسلاح أو العقود العسكريةأو استغلال النزاعاتأيديها ملطخة بالدماءكذلك. عليناأن نتساءل عن دورنا، وأن ندرك أن القدرة علىإحداث التغيير لاتقتصر على الحكومات، بل تشمل أيضاً خياراتنا كمستهلكين.

 

الصمت ليس حياداً. تجاهل الألم ليس رحمة. كل لحظة من عدم الفعل هيلحظة معاناة لطفل لم يخترهذه الحياة. ولأولئك الذين رحلوا، فقد أُطفئ نورهمقبل أوانه بكثير.

 

نحن مدينون لهم بأن نتكلم. بأن نهتم. بأن نُعيد إليهم إنسانيتهم. بأن نطالببالتغيير. لا ينبغي لأي طفلأن يكبر ومعه الصدمة كرفيق، أو أن تكون الحربهي ذاكرته الوحيدة. العالم يفقد شيئاً مقدساً في كل مرة تُمحى فيهاحياة طفل بسبب العنف.

أطفال غزة ليسوا وحدهم. في سوريا، واليمن، وأفغانستان، والعديد من مناطق النزاع الأخرى، لا يزال الأطفال يتحملون العبء الأكبر من الدمار. يجبألاننسى معاناتهم. 

فلنتوقف عن إدارة وجوهنا بعيداً.

 

الوسوم: