منصة ثقافية أدبية عراقية

علي المؤمن.. شاخص التاريخ المجيد


بتاريخ مايو 12, 2025 | في مقالات

محمد عبد الجبار الشبوط

   

د. علي المؤمن

شعرت بفرح كبير يقرب من الزهو والافتخار، حين اتصل بي علي المؤمن ذات يوم من عام ١٩٩٨،بصفته مدير المركز الإسلامي للدراسات المستقبلية ورئيس تحرير إصداراته، والذي تأسس حديثاً؛ عارضاًعليّ ورقة عمل المركز ومحاوره البحثية، وطالباً مني أن أكتب في مجلة المركز. قلت له في إحدى المرات: ((أُنظر كيف دار الزمن، أنا الآن أكتب في المجلة التي صرت أنت رئيس تحريرها)). فقال لي: ((هذا دليلعلى أنك معلم ممتاز ومؤثر في تلاميذك)). كان ذلك تقريباً بعد (١٥) سنة من مغادرتي موقع رئيس تحريرصحيفةالجهادالتابعة لحزب الدعوة الإسلامية في طهران. لكن العامل الحقيقي في نجاح عليوصعوده هو ذكاؤه وحرصه على التقدم والإبداع والابتكار.

    في الدورة الإعلامية التي أقامها حزب الدعوة الإسلامية في سنة ١٩٨٢، كان لقائي الأول مع أحد طلبةالدورة، الشاب اليافع الذي يفيض نضارةً وأناقة وتهذيباً ووسامة، إنه علي المؤمن البالغ من العمر (١٨) ربيعاً فقط. كانت الدورة التي كنتُ أحد محاضريها الرئيسيين؛ فرصة مهمة لاكتشاف الطاقات الواعدةللعمل في القطاع الإعلامي لحزب الدعوة. وهذا ما توسمته بالشاب علي المؤمن، الذكي اللماح المثابرالطموح؛ فعرضتُ عليه العمل معي في جريدةالجهاد“. ومن هنا نشأت علاقة الزمالة الصحفية معه،تلك العلاقة التي توطدت مع الأيام ومرور السنين.

    بمرور هذه السنين؛ كرّس علي المؤمن حياته للبحث والتنقيب والحفريات التاريخية والمعرفية، حتىصار عن حق واستحقاق مرجعاً في المجالات التي اشتغل عليها، وخاصة تاريخ حزب الدعوة والحركةالإسلامية العراقية واجتماعيات الطائفة الشيعية وغيرها من الموضوعات الجادة، التي أصبحت عناوينلسلسلة من الكتب القيمة التي لا يمكن أن يستغني عنها القارئ الجاد والباحث المتطلب. ولم يخطئحدسي وتوقعي فيه؛ فقد تسلق علي المؤمن سلم المعرفة بجدية بالغة ورسوخ قدم، واستطاع فيمرحلة قصيرة، ليس فقط إتقان المهارات الصحفية، وإنما آليات ومناهج البحث العلمي في المجالاتالتي تناولتها كتبه القيمة ومقالاته الرصينة الكثيرة.

    على المستوى التاريخي؛ يمثل علي المؤمن شاهداً وشاخصاً على مرحلة مجيدة محببة إلى نفسي منحياتي تلك التي عملت فيها في صحيفةالجهاد، والتي تمثل بدورها مرحلة نقية من مراحل عملالمعارضة العراقية الإسلامية، وبخاصة حزب الدعوة؛ حين كان الفتية الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه،يبذلون قصارى جهدهم من أجل القضية التي آمنوا بها.

     وعلى مستوى الحاضر؛ فإن علي المؤمن واحدٌ من القامات البارزة في سماء الفكر الإسلامي والبحثالاجتماعي. وإذا كنت اليوم أفخر شخصياً بإنجاز علي المؤمن؛ فإنه ليسعدني أن أقدمه أُنموذجاً يحتذىبه للشباب الطموح، الذي يستطيع أن يقدم لقرائه مادة معرفية وعلمية لا يمكن الاستغناء عنها أواستبدالها بغيرها.

    خلال مسيرتي الممتدة لنحو (35) عاماً في إدارة المؤسسات الإعلامية، من طهران إلى بيروت، ومندمشق إلى الكويت، ومن لندن الى بغداد، كنتُ دوماً أكنّ مشاعر الحب والصداقة لمن أعمل معهم، بلغةالزميل، الصديق والأب.

الوسوم: