صباح زنكنة
في العراق لا تعني الصحافة السعي وراء الحقيقة وايصالها الى المتلفي بسهولة فحسب بل وتحمل فيطياتها ثمنًا قد يصل إلى فقدان الحياة او الاصابة بعاهة ابدية.
فالصحفي العراقي يجد نفسه باستمرار في مواجهة مباشرة مع سلسلة متصاعدة من التهديدات تبدأ منالاغتيال، ولا تنتهي عند حدود الضغوط السياسية أو التشهير الرقمي والإحالة إلى القضاء، مما يجعلالعمل الإعلامي في العراق من أخطر المهن في العالم العربي.
أولى هذه المخاطر تتمثل في الاغتيال والاستهداف الجسدي، كما حدث مع الصحفي أحمد عبد الصمد،مراسل قناة دجلة، الذي اُغتيل بالرصاص في البصرة عام 2020 خلال تغطيته للاحتجاجات، وهذا النوعمن الخطورة يتطلب من الصحفي تقليل ظهوره العلني، وتغيير روتينه اليومي، والعمل ضمن فريق لتقليلاحتمالية الاستهداف.
وتأتي بعد ذلك حوادث الاختطاف والاختفاء القسري، مثلما حدث للصحفية أفراح شوقي عام 2016، التياختُطفت بسبب مقالاتها المناهضة للفساد، وكذلك الحال بالنسبة للصحفي توفيق التميمي عام 2020.
لذا، فإن التعامل مع هذا النوع من المخاطر يبدأ بتأمين تواصل دائم مع جهة موثوقة، وتخطيطالتحركات ميدانيًا بخطط طوارئ بديلة.
أما التهديدات العائلية والشخصية، فهي تضع الصحفي تحت ضغط مزدوج، مهني وإنساني، وتدفعبعضهم لمغادرة البلاد قسرًا لا اختيارًا. ومن هنا، يتعين عدم كشف المعلومات الشخصية، وتأمين وسائلالتواصل.
وفي بيئة لا توفر الحماية القانونية، يصبح الصحفي عرضة للملاحقات القضائية، كما في حالات التشهيرالملفقة ضد صحفيين كشفوا ملفات فساد، و افضل طريقة حماية في هذه الحالة تكمن في التوثيقالصارم للمعلومات، والاستشارة القانونية المتخصصة قبل النشر.
الضغوط السياسية والمخابراتية تمثل هي الأخرى عقبة مخيفة، خاصة حين يتعلق الأمر بصفقات فسادكبرى. وفي هذه الحالة، يلجأ بعض الصحفيين إلى نشر تقاريرهم عبر منصات دولية، أو عبر شبكاتإعلامية مؤثرة لتفادي القمع المحلي.
كما يتعرض الصحفيون لحملات تشويه عبر الإنترنت، ضمن ما يُعرف بـ“الإرهاب النفسي الرقمي“، بهدفإسكاتهم أو تشويه صورتهم أمام الرأي العام. وأفضل طريق للمواجهة هو ضبط النفس، وتوثيقالانتهاكات، ومقاضاة المتورطين.
ولا يقل خطر الابتزاز والرشاوى عن غيره، إذ تعرض عدد من الصحفيين لمحاولات شراء مواقفهم، خاصةفي ملفات حساسة كقطاع النفط، وطريقة التصدي لهذه المحاولات تكمن في الثبات على القيم المهنية،والشفافية في كشف هذه الضغوط.
كل هذه المخاطر تتضاعف في ظل غياب التأمين الصحي والاجتماعي، حيث تعرض كثير من الصحفيينللإصابة خلال تغطية التظاهرات دون أي دعم. وهو ما يتطلب من النقابات الصحفية الضغط لضمانحقوق الأعضاء، وتوقيع عقود عمل تؤمن الجوانب المادية والصحية.
وأخيرًا، يبقى العمل في مناطق النزاع المسلح من أشد التحديات، كما حدث مع صحفيين قُتلوا أثناءتغطية المعارك ضد تنظيم داعش، والتعامل مع هذه البيئات يتطلب معدات وقائية، وتدريبًا متخصصًا،وعدم الاقتراب من الخطوط الأمامية دون تنسيق عسكري.
ويبقى أن نؤمن بمفهوم أن الخطر لا يمكن القضاء عليه بالكامل، ولكن التعامل الواعي والحذر المهنييقلل من حدته بنسبة كبيرة، ليُبقي الصحفي قادرًا على أداء رسالته بأمان دون منغصات أو عوائق.