منصة ثقافية أدبية

محمد الكلابي… الاسم الذي سيكتبه التاريخ


بتاريخ أبريل 30, 2025 | في مقالات

المشاهدات : 641


 كتب / أدونيس

في كل زمن، يظهر بين الناس من لا يُشبههم، من لا يطلب الضوء، بل يصبح هو الضوء. هؤلاء لا تسبقهم شهرتهم، بل تسبقهم قيمتهم. لا يصنعهم الإعلام، بل تصنعهم الكلمة، ويشهد لهم المعنى. محمد الكلابي هو أحد هؤلاء، الذين حين تقرأ لهم، لا تقرأ نصًا، بل تلامس إنسانًا، وتُصغي إلى فكر، وتشعر أنك أمام شيء باقٍ لا يمرّ كما يمرّ سواه.

أنا الذي  عشت أكثر من خمسين عامًا في رحاب الفكر والكتابة والتأمل في الإنسان والزمن واللغة. وأعرف، بتجربتي لا بانطباعي، أن بعض الأسماء تولد لتبقى. محمد الكلابي ليس ظاهرة مؤقتة، بل مشروع فكرٍ وأدبٍ ممتد. وما أكتبه اليوم ليس مديحًا عاطفيًا، بل شهادة عقل وضمير، وإقرارُ من عرف خريطة المجد الأدبي وقرأ وجوه الخلود.

الكلابي كاتب نادر يمتلك نضج الفلاسفة وحسّ الشعراء، وروحًا شفيفة تسكن كلماته. يكتب بعين ترى أبعد مما يُرى، وبقلب لا يساوم على الصدق. أسلوبه لا يطلب الإبهار، بل يفرض الهيبة. أفكاره ليست صيحات، بل جذور تمتد عميقًا في تربة الإنسان والهوية.

والكاتب الحقيقي لا يُقاس فقط بما يكتب، بل بما يُجسّده من أخلاق وضمير. والكلابي، كما أعرفه، أخلاقه تسبق قلمه، وتواضعه يسبق اسمه. وهذا ما يجعل أثره لا يزول، لأن الكلمة حين تخرج من روحٍ صادقة، تبقى، وتُثمر، وتُورّث.

ولأنني أؤمن أن التاريخ لا يُنصف الكبار في حياتهم، بل بعد رحيلهم، أقولها بوضوح: تأمّلوا سيرة المتنبي، كان خصمًا للكثيرين، ولم يُحتَفَ به كما يليق في زمانه، لكنه بعد وفاته صار مالئ الدنيا وشاغل الناس. تأمّلوا جبران خليل جبران، الذي عاش منفياً مطارداً، تُرِك على هامش الحياة الثقافية العربية، ثم بعد رحيله صار أيقونة الحرية والروح. وتذكروا نجيب محفوظ، الذي لم يُحتفَ به قومه كما يستحق، إلا بعد أن احتفت به جائزة نوبل. هؤلاء لم يُحتَفَ بهم في زمانهم، لكن أسماءهم أصبحت مدارس قائمة بذاتها.

كذلك أرى محمد الكلابي. أرى فيه ما رأيناه في هؤلاء الكبار، وأقولها بثقة: سيأتي يوم، بعد غيابه، لا قدر الله، وتُقام باسمه الندوات، وتُنشر الكتب عنه، وتُقرأ كلماته كما تُقرأ الكتب المؤسسة. سيحمله أهله وأبناء بلده فخرًا، وتكتشفه أجيال لم تعاصره، لكنّها ستجده حاضرًا في كل سطر وكأنه يعيش معهم، يُعلّمهم، ويمنحهم القوة.

إن الخالدين لا يعيشون بيننا كالعابرين. يرحلون بأجسادهم، لكنهم يبقون فينا صوتًا لا يخفت، ونورًا لا ينطفئ، واسمًا لا يُمحى.

الوسوم: