رغد الحيالي
لم يعد تلوث الهواء في العراق مشكلة موسمية عابرة، بل تحوّل إلى أزمة صحية وبيئية متصاعدة تنعكسبشكل مباشر على حياة المواطنين، خصوصًا مع تكرار العواصف الترابية وازدياد الانبعاثات الناتجة عنالنشاط البشري وضعف البنى التحتية البيئية.
في السنوات الأخيرة، شهدت المدن العراقية، وعلى رأسها بغداد، ارتفاعًا ملحوظًا في مستويات تلوثالجو، حيث تتجاوز مؤشرات جودة الهواء في العديد من الأيام الحدود الآمنة، ما يضع السكان أماممخاطر صحية متزايدة، حتى في الأيام التي تبدو فيها الأجواء مستقرة ظاهريًا.
غبار كثيف ومصادر تلوث متعددة
العواصف الترابية تعدّ العامل الأبرز في تدهور جودة الهواء بالعراق، إذ تحمل معها جسيمات دقيقةتدخل إلى الجهاز التنفسي وتسبب اختناقات ومشاكل صحية حادة. ويعود تفاقم هذه الظاهرة إلىعوامل عدة، أبرزها التصحر، قلة الغطاء النباتي، وشح المياه، إلى جانب التغيرات المناخية.
ولا يقتصر التلوث على العوامل الطبيعية فقط، إذ تسهم الانبعاثات الصادرة من المركبات والمولداتالكهربائية، إضافة إلى حرق النفايات والنشاطات الصناعية، في زيادة تركيز الملوثات السامة في الهواء،ما يجعل بعض المناطق السكنية تعيش تحت غطاء من الدخان والغبار بشكل شبه دائم.
تأثيرات صحية مقلقة
خبراء الصحة يحذرون من أن التعرض المستمر للهواء الملوث لا يؤدي فقط إلى أعراض مؤقتة مثلالسعال وحرقة العين وضيق التنفس، بل قد يتسبب بأمراض مزمنة على المدى الطويل، تشمل أمراضالجهاز التنفسي، الربو، التهابات القصبات، وأمراض القلب والأوعية الدموية.
الأطفال وكبار السن والحوامل ومرضى الربو والسكري يُعدّون الفئات الأكثر تضررًا، حيث تؤدي الملوثاتالدقيقة إلى ضعف في وظائف الرئة، وزيادة احتمالات الدخول إلى المستشفيات خلال فترات تدهورجودة الهواء.
واقع يومي يعيشه المواطن
يشكو كثير من العراقيين من تكرار حالات الاختناق والإرهاق التنفسي، خاصة خلال موجات الغبار، فيماتضطر بعض العائلات إلى إبقاء أطفالها داخل المنازل، وإغلاق النوافذ لساعات طويلة، دون توفر حلولحقيقية أو بدائل صحية فعالة.
ومع محدودية محطات رصد التلوث وغياب الإنذارات المبكرة في معظم المحافظات، يجد المواطننفسه في مواجهة الخطر دون معلومات كافية أو إجراءات وقائية منظمة.
جهود رسمية… لكنها غير كافية
رغم إعلان الجهات الحكومية عن حملات للحد من التلوث ومحاسبة بعض الجهات المسببة له، إلا أنالمختصين يؤكدون أن هذه الإجراءات ما تزال محدودة ولا ترتقي إلى حجم الأزمة، في ظل غياباستراتيجية وطنية شاملة لمعالجة أسباب التلوث والحد من تداعياته الصحية.
تلوث الهواء في العراق لم يعد مسألة بيئية ثانوية، بل بات تهديدًا مباشرًا للصحة العامة، يتطلب تحركًاجادًا وسريعًا على المستويين الحكومي والمجتمعي. فاستمرار هذا الواقع دون حلول مستدامة يعني أنملايين العراقيين سيبقون يتنفسون هواءً ملوثًا، ويواجهون مستقبلًا صحيًا أكثر تعقيدًا.
