شروق العبيدي
العراق اليوم ليس مجرد لاعب ثانوي في السياسة الإقليمية، بل ميدان توازن قاس بين قوتين عالميتينتتنافسان على النفوذ: الولايات المتحدة وإيران. في ليونة الحركة السياسية لبغداد تكمن استراتيجيتها،ليست حيادًا ضعيفاً، بل حسابات دقيقة لإدارة تحديات معقدة تهدد السيادة والاقتصاد والأمن.
العلاقة مع واشنطن تحمل أبعادًا استراتيجية واضحة. الولايات المتحدة ما تزال تلعب دورًا رئيسياً فيالاقتصاد العراقي، خصوصاً عبر النفط. في أول عشرة أشهر من 2025، صدّر العراق أكثر من1,029,213,454 برميل نفط بمعدّل حوالي 3.43 مليون برميل يومياً . صادرات العراق إلى الولاياتالمتحدة ووحدها سجلت حوالي 95 مليون برميل في فبراير 2025، بينما بلغ إجمالي صادرات أبريل أكثرمن 100,953,282 برميلاً.
هذا النفوذ يجعل للعراق موقعاً استراتيجياً في العلاقات مع واشنطن، ليس كمنتج نفط فقط، بل كشريكيضمن استقرار الإمدادات العالمية ويمنح الحكومة هامش مناورة سياسي. الإيرادات النفطية في أكتوبر2025 تجاوزت 7 مليارات دولار، ما يوضح قوة العراق الاقتصادية على صعيد الأسواق العالمية.
على الجانب الآخر، إيران تمثل قوة نفوذ لا يمكن تجاهلها. فوجود فصائل مسلحة وحلفاء سياسيينموالين لطهران داخل مؤسسات الدولة يجعل من بغداد جزءًا من شبكة علاقات إقليمية أوسع تشكلهاطهران، خصوصاً في قطاع الطاقة والأمن. العراق يعتمد على الغاز الإيراني لتشغيل الشبكة الكهربائية، مايشكل حوالي 30–40% من الكهرباء المولدة، مع شراء سنوي يقدّر بين 4 إلى 5 مليارات دولار.
في مواجهة هذا النفوذ المزدوج، يتخذ العراق سياسة الصمت الاستراتيجي. الحكومة العراقية أعلنتتجميد أصول جماعات مدعومة من إيران، وهي خطوة تم تفسيرها كتحرك يرضي واشنطن ويحد منتأثير طهران دون الدخول في صدام مباشر.
السياسة العراقية الحالية تركز على التوازن متعدد الاتجاهات، محاولة الحفاظ على علاقات مستقرة معكلا الطرفين دون أن يتحول العراق إلى ساحة (proxy ) للصراع بينهما. بغداد تؤكد أنها تعمل علىمصالحها الوطنية أولاً، مستفيدة من علاقاتها مع القوى الدولية لتحقيق تنوع اقتصادي وأمني أوسع.
النقطة الجوهرية في هذا المشهد أن بغداد لا تختار طرفاً على حساب الآخر بشكل قطعي، بل تتبنىسياسة ( الوسط المدروس ) سياسة تظهر قوة وحكمة في آن واحد وسط صراع نفوذ لا يتوقف.
