المحامي نصير جبرين
في كل محطة انتخابية يمر بها العراق، تعود مسألة “القائمة المغلقة” لتطفو على سطح النقاشالسياسي والشعبي. هذه الآلية التي تعني حجب أسماء المرشحين والاكتفاء بانتخاب الكتل، شكّلت لعقودأداةً لإبقاء المواطن أسير الظل، لا يعرف على وجه الدقة من اختاره ولا من سيمثله. وفي مواجهة هذاالخلل الجوهري، جاءت مواقف المرجعية الدينية العليا واضحة وصريحة: لا للقائمة المغلقة.
المرجعية لم تقل ذلك من فراغ، بل انطلقت من إدراك عميق لحقيقة أن الديمقراطية ليست شكلاًانتخابياً أجوف، بل عملية تقوم على المشاركة الواعية، والاختيار الحرّ، والمحاسبة المباشرة. فحين يُختزلالناخب في ورقة لا تحمل سوى اسم الكتلة، تُسلب منه القدرة على التدقيق في سيرة الأفراد، وتُمنحالقيادات الحزبية شيكاً على بياض لتوزيع المقاعد كيفما شاءت. والنتيجة معروفة: نواب يهبطونبالمظلة، بعيدون عن الناس، بعيدون عن همومهم وآمالهم.
لقد حذّرت المرجعية من أن القائمة المغلقة ستُعيد إنتاج نفس الطبقة السياسية، بنفس الأدواتوالعناوين، وستُحكم القبضة الحزبية على البرلمان من جديد. بل إن التجارب السابقة أثبتت أن هذهالصيغة وفّرت غطاءً مثالياً لتدوير الفاسدين وإعادة تدوير وجوه لفظها الشارع. وهنا يبرز صوتالمرجعية كجرس إنذار: إيّاكم أن يُسلب صوتكم باسم الديمقراطية!
إن القول الفصل في هذا الملف يجب أن ينحاز للشعب، لا للمصالح الضيقة. المواطن من حقه أن يعرفمن يمثله، وأن يحاسبه، وأن يُسقطه بالانتخابات المقبلة إن قصّر أو خان الأمانة. هذه المعادلة لا يمكنتحقيقها إلا عبر القائمة المفتوحة التي تضع الأسماء أمام الناخبين، وتُعيد إليهم سلطة الاختيار الفردي،بعيداً عن “التغليف الحزبي” و”المحاصصة المقنّعة”.
اليوم، حين نقرأ مواقف المرجعية، ندرك أنها لا تتدخل في التفاصيل السياسية اليومية، لكنها ترسم خطاًأخلاقياً عاماً، يرشد العملية الديمقراطية نحو الشفافية والمساءلة. ورفضها للقائمة المغلقة ليس مجردنصيحة عابرة، بل تحذير من خطيئة قد تعيدنا إلى المربع الأول: برلمان بعيد عن الشعب، وسياسيونمحصّنون خلف جدران الكتل، وناخبون مغلوبون على أمرهم.
لقد آن الأوان للقوى السياسية أن تعي حجم الغضب الشعبي وأن تُدرك أن صبر المرجعية ليس بلاحدود. فالشعب العراقي الذي ضحى بالغالي والنفيس لا يستحق أن يُختزل دوره في صندوق اقتراع“مغلق”. الكرامة الوطنية والديمقراطية الحقيقية لا تقبل أن يكون المواطن مجرد رقم يملأ فراغات فيقوائم مُعدة سلفاً.
في النهاية، كلمة المرجعية واضحة وبسيطة:
لا للقائمة المغلقة… نعم لصوت الشعب الحرّ.
