منصة ثقافية أدبية

الانتخابات العراقية : من يموّل المليارات؟


بتاريخ مايو 31, 2025 | في مقالات

المشاهدات : 9


حيدر البرزنجي

في الوقت الذي كان من المفترض ان تصرف هذه الاموال على تمكين الشباب وتطوير مهاراتهم

مع كل استحقاق انتخابي جديد في العراق، يتكرر الحديث عن حجم الإنفاق الهائل الذي يطغى علىمشهد الانتخابات، وتحديدًا ما يتعلق بالأحزاب السياسية الناشئة، والتحالفات المستجدة، وحتىالمرشحين الأفراد الذين يضخّون أموالًا طائلة بلا أي وضوح في مصادر التمويل.

تُقدّر بعض الأوساط السياسية والرقابية حجم ما الصرف في الانتخابات البرلمانية القادمة

بمبلغ يتراوح بين 2.5 إلى 3 ترليون دينار عراقي، وهو رقم صادم يعادل نحو 2 مليار دولار أمريكي، ويثيرعشرات الأسئلة حول العدالة الانتخابية، ومشروعية المال المستخدم، وغياب آليات المراقبة والمحاسبة

إنفاق بلا سقفولا ضوابط

في بلد يرزح تحت أزمات اقتصادية مزمنة، من انهيار البنى التحتية إلى البطالة المستفحلة، يبدو إنفاقهذه المبالغ الهائلة في موسم انتخابي أشبه بـمباراة مفتوحة للنفوذ المالي”.

وليس من النادر اليوم أن تُصرف ملايين الدولارات على مرشح واحد، كما حصل في إحدى الدوائرالانتخابية مؤخراً، حيث تم الكشف عن إنفاق 5 ملايين دولار من قبل مرشح محسوب على الأوساطالتجارية.

في المقابل، تغيب أي إجراءات رقابية فعلية من قبل مفوضية الانتخابات أو الهيئات المالية المختصة، مايجعل هذه الممارسات تمرّ بلا اعتراض أو مساءلة.

من أين تأتي هذه الأموال؟

لا أحد يعلم على وجه الدقة. بعض الأحزاب التقليدية قد يكون لها مصادر تمويل داخلية معروفة، لكنالمثير للقلق هو بروز مرشحين جدد وأحزاب ناشئة يموّلون حملاتهم بملايين الدولارات، دون أي شفافيةأو معرفة بمصادر هذه الأموال.

هنا يُطرح السؤال الكبير :

هل يتم تمويل هؤلاء من رجال أعمال؟ جهات خارجية؟ مصالح اقتصادية داخلية؟ أم أن المال السياسيدخل مرحلةالتبييض الانتخابي؟

في كل الأحوال، الخطر واحد: شراء المواقع التشريعية وتحويل البرلمان إلى ساحة استثمار، لا تمثيلشعبي.

غياب المساءلة: الثغرة القاتلة

رغم وجود قوانين انتخابية تنظّم العملية الديمقراطية، إلا أن لا شيء يفرض على المرشحين أو الأحزابالإفصاح عن مصادر تمويلهم، أو الالتزام بسقف مالي قانوني.

كما لا توجد جهة مستقلة فعالة تقوم بمراجعة أو تدقيق حسابات الحملات الانتخابية.

نتيجة لذلك، يختل التوازن بشكل خطير بين المرشحين القادرين على الإنفاق، والمرشحين المعتمدينعلى التأييد الشعبي فقط. وتتحوّل الانتخابات من تنافس برامجي إلى صراع مالي على النفوذ والهيمنة.

المقارنة مع التجارب الدولية: مغالطة شائعة

يُبرّر البعض هذا الإنفاق الهائل بالقول إنالانتخابات الأمريكية أيضاً تُنفق فيها المليارات، لكن المقارنةهنا مضلِّلة:

_ في الولايات المتحدة، هناك هيئة مستقلة (FEC) تفرض الإفصاح عن كل تبرع يتجاوز مبلغًابسيطًا.

_ توجد شفافية إعلامية ومجتمعية حول الإنفاق ومصادره.

_ كما تخضع الحملات لرقابة دقيقة ومحاسبة حقيقية.

أما في العراق، فكل ذلك مفقود، ما يجعل المبالغ الضخمة بابًا خلفيًا للفساد، لا وسيلة لدعمالديمقراطية.

تساؤلات مفتوحة للرأي العام:

1_ من يموّل الحملات التي تتجاوز عشرات المليارات؟

2_ لماذا لا تكشف مفوضية الانتخابات عن بيانات الإنفاق؟

3_ هل يمكن الحديث عن انتخاباتنزيهةفي ظل تفاوت مالي صارخ؟

4 _ ما هو مصير الديمقراطية حين تصبح المقاعد التشريعية تُشترى بدل أن تُنتخب؟

توصيات: حماية الانتخابات من المال السياسي

_ تشريع قانون جديد يُلزم جميع المرشحين والأحزاب بالإفصاح الكامل عن مصادر تمويلهم.

_ إنشاء هيئة رقابة مالية مستقلة لمراجعة الحملات الانتخابية.

_ فرض عقوبات صارمة على الإنفاق غير المشروع أو التلاعب المالي

_ تمكين منظمات المجتمع المدني من مراقبة التمويل الانتخابي بحرية وشفافية

خاتمة :

في بلد يبحث عن ترسيخ الديمقراطية وسط أزمات متراكمة، لا يمكن ترك الانتخابات رهينة لأصحابالمال والنفوذ. فالسؤال الحتمي الذي يجب أن يُطرح اليوم:

هل نحن أمام ممارسة ديمقراطية؟ أم أمام مزاد مفتوح لشراء السلطة؟

ما لم تتم محاسبة من يضخون هذه الأموال، وتقييد تأثير المال السياسي، فإن صندوق الاقتراع سيتحوّلإلى صندوق استثمار لا صندوق تمثيل.

الوسوم: