الثورية العقلانية | ‎محمد عبد الجبار الشبوط

الثورية العقلانية | ‎محمد عبد الجبار الشبوط

النهج الثوري قد يكون أحد الطرق السريعة لتحقيق التغيير الذي ينتظره الشعب، خصوصًا في حالات الاستبداد والظلم أو في ظل الأنظمة الفاسدة التي لا تستجيب للإصلاحات التدريجية. ولكن يجب أن تتحلى الثورية بالعقلانية والواقعية، لأن اتخاذ قرارات متسرعة أو غير محسوبة قد يؤدي إلى نتائج عكسية تزيد من تفاقم الأوضاع وتضر بمصالح الدولة والشعب.

‎الثورية في جوهرها تهدف إلى إحداث تغيير جذري في النظام القائم، وتقديم بديل حقيقي يتوافق مع تطلعات الشعب. ولكن إذا كانت هذه الثورية تفتقر إلى الخطة المحكمة والرؤية المستقبلية، فإنها قد تتحول إلى حالة من الفوضى أو التخبط، مما يؤدي إلى تعطيل مسيرة التنمية أو التسبب في انهيار البنية السياسية والاقتصادية.

‎و من المهم أن تكون الثورات مدروسة وأن تأخذ في الاعتبار الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للبلاد. إن الثورة التي لا تضع خطة تفصيلية للتغيير أو تهمش الفكر الاقتصادي والسياسي السليم يمكن أن تؤدي إلى مشكلات مستمرة، مثل الحروب الأهلية، وتزايد الفقر، والخراب الشامل للبنية التحتية، فضلاً عن القمع المتبادل بين أطراف النزاع.

‎في حين أن التغيير الثوري قد يبدو في بعض الأحيان حلاً سريعًا، إلا أنه يتطلب قدرًا كبيرًا من الحكمة والتنظيم كي لا يؤدي إلى نتائج غير متوقعة. الثورات التي تعتمد فقط على الحماسة دون فهم عميق للواقع قد تؤدي إلى انهيار في المؤسسات، أو تحويل السلطة إلى طغيان جديد.

‎الواقعية لا تعني التنازل عن المطالب أو التخلي عن الأهداف، بل تعني فهم المعوقات التي قد تواجه التغيير وكيفية مواجهتها. إن الثوار الذين يتجاهلون الواقع الاجتماعي والسياسي قد ينتهي بهم الأمر إلى إحلال نظم جديدة قد تكون أكثر استبدادًا أو فسادًا من الأنظمة السابقة.

‎الثورة التي تتمتع بالواقعية تتطلب تقييمًا دقيقًا للموارد المتاحة، وضمان أنها تركز على تحقيق مطالب الشعب في إطار زمني واقعي. من خلال الحفاظ على الاتزان بين الحماسة والتخطيط الاستراتيجي، يمكن للثورة أن تحقق أهدافها دون أن تؤدي إلى انهيار المجتمع.

‎إذن، يمكن القول أن الثورية، على الرغم من أهميتها كوسيلة للتغيير، يجب أن تكون محصنة بالعقلانية والواقعية. يجب أن تتجنب الثورة اتخاذ القرارات المتسرعة، والتأكد من أن الهدف النهائي يتم تحقيقه دون أن يتعرض الوطن للدمار أو الانقسام. الفهم الدقيق للمسار الذي يجب أن يسلكه الشعب نحو التغيير مع ضمان بناء مؤسسات قوية وقادرة على تلبية احتياجات المواطن، هو ما يجعل الثورات ذات طابع إيجابي بعيد المدى.

‎مناسبة هذا الكلام الرسالة التي بعثها الزعيم الثوري السابق فيدل كاسترو الى صدام في 4/9/1990 وجاء فيها كما اوردها السفير نزار حمدون في مذكراته “في رأيي إن الحرب ستندلع حتماً إذا لم يكن العراق مستعداً للتوصل الى حل سياسي عن طريق المفاوضات يستند على إنسحابه من الكويت. إن هذه الحرب ستكون مدمرة بشكل كبير للمنطقة وللعراق بخاصة…سيقاتل العراق في أسوء الظروف السياسية والعسكرية. وفي مثل هذه الظروف فإن الحرب ستترك العرب مقسمين لسنوات عديدة, بينما ستحتفظ الولايات المتحدة والغرب بتواجد عسكري في المنطقة لفترة غير محددة. وإن عواقب ذلك ستكون مدمرة ليس للأمة العربية حسب, بل للعالم الثالث برمته” واضاف: “في هذه اللحظات الحاسمة لبلدكم وللعالم الثالث بأجمعه فإن الشجاعة والبطولة تتجسد في فهم هذا الواقع… إن الإستجابة لطلب الغالبية العظمى من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي تطالب بالإنسحاب من الكويت يجب أن لا يعد شيئاً غير مشرف أو فيه إذلال للعراق” مؤكدا “ان الواقع هو إن المجتمع الدولي يعارض هذا الإجراء بشكل جماعي تقريباً… أن الظروف تتطلب من صديق مخلص للعراق بأن يبين بأن الوضع لا يشبه الوضع في فيتنام حين تضامن الرأي العام العالمي مع البلد المعتدى عليه”.

‎وعلّق نزار حمدون على الرسالة قائلا :”إن الرئيس كاسترو وبكل ما عرف عنه من ثورية وعناد لم يستطع إلا أن يتفهم حقائق الوضع الدولي وحقيقة إن الموقف العراقي في ضم الكويت ليس له شعبية في الأوساط العالمية وبأن الموقف العراقي سيؤدي الى إضعاف العرب والى تعزيز الوجود الأمريكي في الخليج.”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *