أنسنة الدين وتحريره من الأغلال: ضرورة لتطور الإنسان والمجتمع

أنسنة الدين وتحريره من الأغلال: ضرورة لتطور الإنسان والمجتمع

محمد عبد الجبار الشبوط

يُعتبر الدين من الضروريات الإنسانية التي تشكل جزءًا أساسيًا من حياة الإنسان منذ العصور القديمة. فهو يقدم للإنسان إجابات عن الأسئلة الكبرى المتعلقة بوجوده، وهدفه، ومصيره. كما يعزز من روابطالمجتمعات ويشكل منظومة من القيم التي توجه سلوك الأفراد وتساعدهم في التعامل مع قضاياالحياة. ومع مرور الوقت، شهد الدين تطورًا من خلال التفاسير المختلفة والتأويلات المتنوعة التي قام بهاالعلماء والمفكرون، ولكن مع الأسف، أصبح الدين في بعض الأحيان محاصرًا بالعديد منالأغلالالتي لاتعكس جوهره، بل تحرفه عن مساره الذي بدأه في عصر النبوات.

من هنا تنبع أهمية فكرة أنسنة الدين وتحريره من تلك الأغلال التي أصابته، وخاصة بعد انتهاء عصرالنبوة في العام 11 هجرية، وهو التاريخ الذي شهد وفاة آخر الأنبياء، النبي محمد صلى الله عليه والهوسلم. منذ تلك الفترة، بدأت تظهر تفسيرات بشرية متعددة للنصوص الدينية، وهو ما ساهم في انقسامالأمة الإسلامية وتعدد المدارس الفكرية التي غالبًا ما كانت تُستخدم لأغراض سياسية أو اجتماعية، لاسيما في فترات الحروب والصراعات.

إنأنسنة الدينتعني العودة إلى روح الدين وجوهره بعيدًا عن التفسيرات التي أُضيفت إليه بفعلالزمان والمكان. الدين في جوهره ليس مجرد مجموعة من الأحكام الجامدة، بل هو منظومة من القيمالإنسانية التي تدعو إلى العدالة، والمساواة، والرحمة، والتعايش، والسلام. ومع مرور الزمن، نجد أنبعض المؤسسات الدينية، أو حتى الممارسات الثقافية المرتبطة بالدين، قد تحولت إلى عوائق أمامتحقيق هذه القيم.

إنَّ الدين ينبغي أن يكون مرنًا ومتكاملًا مع تطورات المجتمع والإنسان. فالعديد من العادات والتقاليدالتي تتسرب إلى الحياة الدينية قد تساهم في جعل الدين يبدو وكأنهعائقبدلًا من أن يكونمحررًاللإنسان من قيود الزمان والمكان. أنسنة الدين تعني الفصل بين القيم الثابتة التي يحملها الدين وبينالقيود التي أضافتها تفسيرات البشر في مختلف العصور.

منذ وفاة النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم، برزت العديد من التفسيرات والاجتهادات التي شكلت مايمكن تسميته بـالأغلالالتي قد تحد من تطور الدين مع تطور الزمن. في كثير من الأحيان، تُستخدمبعض التفاسير كأداة للسيطرة على المجتمع، أو تقييد حقوق الأفراد.

عندما نتحدث عنتحرير الدين، فإننا نعني تحريره من التفسيرات الضيقة التي تبتعد عن مقاصدهالأصلية. الدين يجب أن يكون أداة تمكّن الإنسان من تحقيق أهدافه السامية في الحياة، وليس عائقًايمنعه من التفاعل مع التحديات المعاصرة. فالدين لا يمكن أن يُختصر في إطار موروث، بل ينبغي أنيكون حيًا، ينبض بالحياة، ويواكب التغيرات في العالم.

يُعتبر الدين أحد أكبر مصادر الإلهام للإنسان في سعيه لتحقيق العدالة والمساواة. لكن في العديد منالأحيان، يتم استغلال الدين كأداة للحفاظ على الوضع القائم في المجتمع، وخاصة عندما لا تتوافق بعضالتفسيرات مع تطور الفكر الاجتماعي والسياسي. إن التحدي يكمن في إعادة النظر في هذه التفسيراتبحيث يصبح الدين أداة لتطوير الحياة البشرية بدلاً من أن يكون سببًا في تقييدها.

من خلال العودة إلى القيم الإنسانية التي دعا إليها الدين في جوهره، يمكننا أن نعيد الدين إلى مكانتهالحقيقية كداعم للتقدم الاجتماعي والسياسي. هذا يتطلب تفكيرًا نقديًا، وانفتاحًا على التفسير المعاصرللنصوص الدينية بما يتماشى مع المتغيرات المجتمعية والعالمية.

أنسنة الدين وتحريره من الأغلال ليس مجرد مقترح نظري، بل هو ضرورة ملحة لضمان أن يبقى الدينأداة لتطوير الإنسان والمجتمع. ومن خلال العودة إلى جوهر الدين، يمكننا أن نعيده إلى مكانته كداعمأساسي للعدالة، والمساواة، والتعايش، في عالم يعاني من الانقسامات والتحديات المستمرة. الدينيجب أن يكون حيًا في قلب الإنسان، مفتوحًا على آفاق التطور، ومتواكبًا مع تطورات العصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *