بغداد بين مفترق الطرق المصالح السياسية وذاكرة الدم

بغداد بين مفترق الطرق  المصالح السياسية وذاكرة الدم

فاروق الرماحي

“حين أراد الذئب تعليم صغيره دروسًا في الحياة وفن العيش، ذهب به إلى قطيع الأغنام وقال له : لحوم هذه لذيذة، ثم أشار إلى راعي الأغنام محذرًا : عصا هذا الرجل مؤلمة، فانتبه أن تمسك بها، ولما رأى الذئب الصغير كلبًا يقف بجوار الأغنام، قال له: هذا يشبهنا يا أبي، فأجابه الأب : اهرب حين ترى هذا الكائن، لأن كل ما عانيناه في حياتنا كان سببه أولئك الذين يشبهوننا ولا ينتمون إلينا .
في السياسة كما في الحياة، ليس كل شبيه حليفًا، وليس كل مختلف خصمًا، وهذا ما يبدو أن الحكومة العراقية تواجهه اليوم بعد زيارة وزير الخارجية السوري للمرحلة الانتقالية إلى بغداد، إذ تطرح هذه الزيارة أسئلة ملحة عن أهداف الحكومة العراقية من هذا التقارب، وعن غايات الحكومة الانتقالية التي يقودها أحمد الشرع، المعروف سابقًا ( بأبي محمد الجولاني) ، وهو المطلوب للقضاء العراقي بتهم الإرهاب، فهل باتت البراغماتية السياسية تفرض نفسها على بغداد في هذه اللحظة الحساسة ؟
وما مصير ضحايا الإرهاب وعوائلهم الذين قد يرون في هذا اللقاء استخفافًا بدماء العراقيين ؟
أم أن حسابات المصالح الوطنية تفرض نفسها على كل الاعتبارات الأخرى ؟
في الوقت الذي تتعرض فيه الأقليات السورية، من دروز وعلويين ومسيحيين، لعمليات قمع وتطهير ممنهجة، بحجة القضاء على فلول النظام ، تثار التساؤلات حول موقف الحكومة العراقية من الاعتراف بحكومة ذات صبغة سلفية متشددة متهمة بالإرهاب، وما إذا كانت بغداد ملزمة بهذا الاستقبال بفعل إملاءات دولية أو ضغوط إقليمية، أم أن الأمر يأتي في سياق التماهي مع سياسات بعض دول الخليج التي تدعم هذا النظام لمصالحها الخاصة ، فهل تجد حكومة السوداني نفسها في مأزق سياسي وشعبي بسبب هذه الزيارة؟
وكيف يمكنها الخروج من هذا المأزق دون أن تخسر توازناتها الداخلية والخارجية ؟
قد يكون المخرج أمام حكومة بغداد في التأكيد على أن اللقاء يأتي في إطار الدبلوماسية وليس اعترافًا رسميًا، مع التركيز على أن العراق يسعى للحفاظ على استقراره الإقليمي دون الانحياز لأي طرف، كما يمكنها إشراك القوى السياسية والبرلمان في صياغة موقف وطني موحد، بحيث لا يتحول الأمر إلى قرار حكومي منفرد، إضافة إلى إمكانية اشتراط أي تقارب سياسي بتعاون حقيقي في ملف الإرهاب وتسليم المطلوبين .
لكن يبقى السؤال الأهم : كيف لبغداد أن تصافح اليد التي ذبحتها بالأمس لتصافحها اليوم؟
وهل تستطيع بغداد أن تمسك العصا من المنتصف دون أن تدفع ثمن هذا التموضع في المشهد الإقليمي المعقد ؟

 

One thought on “بغداد بين مفترق الطرق المصالح السياسية وذاكرة الدم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *