زيلينسكي بين مطرقة الدعم الأمريكي وسندان الاستقلال الاقتصادي…

زيلينسكي بين مطرقة الدعم الأمريكي وسندان الاستقلال الاقتصادي…

 

الدكتور أكرم حياوي

لم تكن زيارة وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسينت، إلى كييف مجرد لقاء دبلوماسي عادي متعارف عليه من أجل الدعم المالي، بل حملت في طياتها ما يشبه الإنذار الأخير للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. فعندما جلس بيسينت أمام زيلينسكي، لم يكن يحمل وعودًا جديدة بالدعم المالي أو العسكري كما اعتاد عليه الرئيس الأوكراني، بل اتخذ أسلوبًا جديدًا غير شائع سابقاً من قبل مسؤول رفيع المستوى بحجم “وزير الخزانة الأمريكي”، إذ حمل معه وثيقة تطالب بمنح الولايات المتحدة ملكية نصف ثروات أوكرانيا من المعادن الأرضية النادرة، أو ما يعادل قيمتها نحو 500 مليار دولار.

لكن اللحظة التي تُعد الأكثر توترًا في هذا اللقاء لم تكن في عرض الوثيقة بحد ذاتها، بل كان التوتر والتأثر وعدم القدرة على الرد في المهلة التي منحها بيسينت للرئيس الأوكراني، حيث قال بصراحة: “لديك ساعة واحدة فقط لتقرر، وإلا فلا لقاء مع كبار المسؤولين الأمريكيين”. لم يكن أمام زيلينسكي سوى القليل من الوقت لاتخاذ قرار مصيري، لكن بدلاً من التوقيع الفوري، فضّل أسلوب المراوغة من خلال طلب دراسة الوثيقة والتشاور مع فريقه الوزاري، مما أثار غضب المبعوث الأمريكي، خاصة أن الحكومة الأوكرانية كانت قد أصدرت توجيهاتها الاستباقية بعدم التسرع في توقيع أي اتفاق يمنح واشنطن حق الوصول إلى المعادن الأرضية النادرة.

هذا التطور المفاجئ من خلال مضمون الوثيقة التي قدمها وزير الخزانة الأمريكي إلى أوكرانيا كشف عن الوجه الآخر للدعم الأمريكي لكييف، الذي لم يعد مجرد مساعدة عسكرية مشروطة، بل بات مرتبطًا بمصالح اقتصادية ضخمة وهي الثروات الطبيعية (المعادن النادرة). فمنذ بداية الحرب مع روسيا، اعتمدت أوكرانيا بشكل شبه كامل على المساعدات الغربية، وهذا الأمر منح واشنطن نفوذًا كبيرًا في قراراتها السياسية والاقتصادية داخل أوكرانيا.

التسريبات تؤكد، حسب الوكالة الأمريكية “The Associated Press”، أن الوثيقة التي سلّمها بيسينت تتجاوز حدود “التفاهم المشترك”، إذ تضمنت بندًا يمنح واشنطن حق استغلال الموارد الأوكرانية بشكل شبه حصري دون أي منافس. وعلى الرغم من أن زيلينسكي لم يرفض العرض بشكل قاطع، إلا أنه لم يكن مستعدًا للموافقة العاجلة التي أرادتها واشنطن.

لكن السؤال الأهم: هل تستطيع أوكرانيا بالفعل رفض مثل هذا العرض المقدم من قبل دولة كبرى داعمة لها في حربها ضد روسيا؟ فمع ازدياد الضغوط الروسية في ساحة المعركة، والتهديدات بتقليص المساعدات الأمريكية، يبدو أن أوكرانيا باتت أمام خيارين أحلاهما مر المذاق شبيه بالحنظل، وهو إما قبول الابتزاز الاقتصادي أو المخاطرة بفقدان الدعم الغربي في مرحلة حرجة من الصراع الحالي.

إن هذه الوثيقة تكشف بوضوح أن السياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا قد تتغير بشكل جذري، فبعدما كانت المساعدات تُقدَّم في إطار دعم الديمقراطية وصد العدوان الروسي، أصبحت الآن ورقة ضغط تُستخدم لانتزاع المكاسب الاقتصادية لتعزيز الموارد المالية لواشنطن وتوسيع نفوذها.

أوكرانيا الآن أمام مفترق طرق، فزيلينسكي يدرك أن الموافقة على هذا الاتفاق ستضع بلاده في قبضة واشنطن لعقود قادمة، لكنه في الوقت نفسه يعلم جيداً أن رفضه قد يؤدي إلى تراجع الدعم الأمريكي، وهذا الأمر قد تكون له عواقب كارثية على الحرب مع الدولة العظمى النووية روسيا. إذ تُعتبر روسيا واحدة من تسع دول عالمية تملك أسلحة نووية، بنحو 6 آلاف رأس، ومع استمرار الضغط الغربي، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستصمد كييف أمام الضغوط الأمريكية الحالية، أم أنها ستخضع في نهاية المطاف وتقبل بشروط واشنطن الكبيرة، حتى لو كان الثمن نصف ثرواتها المعدنية ؟

2 thoughts on “زيلينسكي بين مطرقة الدعم الأمريكي وسندان الاستقلال الاقتصادي…

  1. احسنت دكتور أكرم. تحليل ووصف دقيق للمرحله الحاليه فأمريكا الآن في مرحلة حصاد ماخططت له منذ سنوات سابقه لجميع دول العالم التي خضعت لنفوذها والكلام في هذا المضمار طويل حداااااا. تحياتي لك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *