ناجي الغزي
في خطاب تنصيبه، أثار دونالد ترامب حماسة مؤيديه ودهشة منتقديه بخطاب سياسي يمزج بين القومية الجريئة والشعبوية الحازمة. العودة إلى البيت الأبيض مثلت بداية جديدة لزعيم اختار أن يضع ملامح عهده الجديد عبر سلسلة من التصريحات والقرارات الجريئة التي تتحدى السياسة التقليدية، وتعيد رسم المشهدين الداخلي والخارجي.
*إعلان بداية العهد الذهبي*
افتتح ترامب خطابه بمقولة مثيرة: “أمريكا العظيمة عادت”، مؤكدًا رؤيته بأن ولايته الجديدة ستكون عهدًا ذهبيًا يهدف لإحياء مجد أمريكا المفقود. هذا الوعد الطموح كان بمثابة دعوة للطبقات الشعبية التي شعرت بالإهمال لاستعادة ثقتها في الحلم الأمريكي. من خلال خطابه، قدم ترامب نفسه كمنقذ قادر على معالجة إخفاقات الماضي وبناء مستقبل مشرق يعيد الهيمنة الأمريكية.
*قرارات رمزية وشعبوية لتعزيز الهوية القومية*
في خطوة تعكس استراتيجيته القومية، أعلن ترامب عزمه تغيير اسم “خليج المكسيك” إلى “خليج أمريكا”، معتبراً هذا التغيير رمزًا لاستعادة السيادة الوطنية. كما أكد رغبته في استعادة قناة بنما، مشيرًا إلى أن التخلي عنها كان خطأً تاريخيًا. هذه القرارات ذات الطابع الرمزي تهدف لتعزيز الفخر الوطني واستعادة السيطرة على ما يعتبره ترامب رموزًا للهيمنة الأمريكية.
*سياسات اجتماعية مثيرة للجدل*
لم تغب القضايا الاجتماعية عن خطاب ترامب، حيث أعلن عن سياسات محافظة مثل قصر تعريفات الجندر على الذكر والأنثى فقط، وهي خطوة لاقت تأييدًا من الشرائح المحافظة لكنها أثارت انتقادات واسعة من الليبراليين. هذه التحركات عكست توجه ترامب لاستقطاب دعم القاعدة الشعبية التقليدية التي ترى في هذه القضايا تهديدًا لقيمها الاجتماعية.
*قرارات تصادمية على الساحة الدولية*
على الصعيد العالمي، أعاد ترامب تأكيد سياساته الانعزالية، حيث انسحب مجددًا من اتفاق باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية. هذه القرارات تمثل استمرارًا لرؤيته بأن الالتزامات الدولية تُثقل كاهل الاقتصاد الأمريكي دون فوائد ملموسة. كما أثارت قراراته بدعم المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية جدلاً دوليًا، لكنه بررها بأنها جزء من دعمه لحلفاء أمريكا الاستراتيجيين.
*التوجهات الاقتصادية: أمريكا أولاً*
في إطار شعاره “أمريكا أولاً”، شدد ترامب على إعادة توجيه الضرائب والاستثمارات لخدمة الاقتصاد الوطني. فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات كندا وأوروبا كان بمثابة دعوة لتشجيع الإنتاج المحلي. كما طالب دول الناتو بتحمل نصيبها من النفقات الدفاعية، مهددًا بإعادة النظر في الالتزامات الدفاعية المشتركة مع الدول المتقاعسة.
*مواقف أمنية ودبلوماسية حازمة*
على المستوى الأمني، صعّد ترامب من موقفه ضد عصابات الكارتيلات، معلنًا تصنيفها كجماعات إرهابية. هذه الخطوة تعكس استعداده لاتخاذ إجراءات عسكرية ضدها، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها، مما قد يثير توترات مع دول الجوار. وفي سياق آخر، أبدى استعدادًا لفتح حوار مع الرئيس الروسي بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا، متوقعًا التوصل إلى حل خلال ستة أشهر، في خطوة تهدف لتعزيز دوره كوسيط دولي.
*تصفية حسابات الماضي*
بدأ ترامب عهده بعفو شامل عن أكثر من 1500 شخص متهمين في أحداث الكونغرس في السادس من يناير 2021، في رسالة واضحة أنه مستعد لتصفية الحسابات السياسية العالقة. هذه الخطوة لاقت ترحيبًا من أنصاره لكنها أثارت انتقادات واسعة من خصومه الذين رأوا فيها تشجيعًا على الإفلات من العقاب.
*ختام مشحون بالتحديات*
أنهى ترامب يومه الأول بتغريدة تحمل رسائل حازمة: “أمريكا العظيمة عادت”. هذا اليوم الأول لم يكن مجرد بداية لولاية جديدة، بل إعلان عن استراتيجية جريئة تعكس مزيجًا من القومية والشعبوية التي تسعى لإعادة تشكيل الداخل والخارج. ومع الجاذبية التي تحملها شعاراته، يبقى التحدي الأكبر هو تحويلها إلى إنجازات ملموسة.
ترامب، بزعامته المثيرة للجدل، يقف أمام اختبار حقيقي ليثبت أن شعاراته ليست مجرد وعود بل خارطة طريق لعهد جديد قد يعيد تشكيل تاريخ الولايات المتحدة.