حسين العظماوي :
أُجريت انتخابات مجالس المحافظات في العراق في نهاية شهر كانون الأول من عام 2023، وهي الانتخابات المحلية الأولى التي تجري منذ عام 2011. أُعلن عن نتائجها النهائية في يوم 28 من كانون الأول عام 2023، بعد مرور عشرة أيام على إجرائها. صادق مجلس المفوضين عليها في 21 كانون الثاني 2024، وأستأنفت المجالس عملها بعد أن تم إيقاف عملها من قبل مجلس النواب العراقي أواخر عام 2019، أثر احتجاجات تشرين الشعبية.
تُبرز أهمية مجالس المحافظات في كونها أساس النظام اللامركزي، ومن خلالها يُفترض أن يجري مأسسة نقل السلطة من المركز، بمنحها صلاحيات تشريعية ومالية وإدارية واسعة، وتأكيد عدم خضوعها لسيطرة أي جهة تنفيذية مركزية، باعتبارها مؤسسة منتخبة من قبل الشعب.
قُدر جرى رسم الإطار القانوني لمجالس المحافظات في قانون المحافظات غير المنتظمة بأقليم لعام 2008، والذي نص في المادة الثانية، أولاً، على أن “هي السلطة التشريعية والرقابية في المحافظة، وله حق إصدار التشريعات المحلية بما يمكنه من إدارة شؤونها وفقًا لمبدأ اللامركزية الإدارية بما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية”
واجهت مجالس المحافظات في العراق معوقات عدة، أبرزها هيمنة الزعامات السياسية على قرارات وخيارات أعضاء المجالس. لكن هذه الانتخابات أفرزت قوى سياسية محلية وهي “تحالفات انتخابية يقودها مسؤولون حكوميون محليون، تجربتهم قائمة على أساس ما يقدمونه من مصالح خدماتية للمواطنين، قرار يتخذ السياسي يتخذ محلياً ”
تَمكنت القوى المحلية، بالاتفاق مع بعض القوى السياسية المركزية، من تشكيل الحكومة المحلية في البصرة وكربلاء وواسط، في حين أخفقت في ذي قار، وتم التصويت على محافظ متفق عليه مركزياً بين القوى السياسية التقليدية، وفق ما يعرف عراقياً بالـ”محاصصة”. كانت ذي قار من نصيب تيار الحكمة الذي يترأسه السيد عمار الحكيم، وأُختير السيد مرتضى عبود الإبراهيمي محافظاً لذي قار.
دخل الإبراهيمي…صراعاً سياسياً مبكراً مع القوى المحلية على رأسها رئيس حزب الماكنة ومحافظ ذي قار السابق الدكتور محمد هادي الغزي. بالإضافة إلى ذلك، حاول تصفية الناشطين الفاعلين في الاحتجاجات الشعبية عبر دعاوى يقال عنها كيدية، وحتى علاقته مع الأمين العام لمجلس الوزراء الدكتور حميد الغزي” الذي يمارس دوراً سياسية فاعلاً ومؤثراً في ذي قار” لم تكن على ما يرام، بل شابها الكثير من التوتر، في حين يرى صحفيين ومدونيين أن الأبراهيمي قيد حرية التعبير عن الرأي مستخدماً الدعاوى الكيدية، وعشيرته للوقف بوجه كل من ينتقد. هذا الأمر الذي سبب سخطاً شعبياً وسياسياً عنه…
في علاقته مع مجلس المحافظة، حاول تهميش دور المجلس، حتى وصل الأمر إلى اتهام عدد من أعضاء مجلس المحافظة بالأبتزاز، وهذه سابقة خطيرة أدت إلى توتر العلاقة مع نصف أعضاء المجلس. لم يستطع الإبراهيمِي أن يحافظ على التوازن السياسي والأجتماعي في المحافظة، وتفرد بعقليته الرافضة للآخر في إدارة المحافظة، هذا ما دفع مجلس المحافظة إلى استجوابه، بعد طلب قدمه نائب رئيس مجلس المحافظة السيد مرتضى السعيدي، وإقالته من منصبه.
مثلت خطوة إقالة محافظ ذي قار السيد مرتضى الإبراهيمِي انتصاراً للقوى المحلية (الماكنة، والسيد سلام الفياض) وحلفائها على الإرادة السياسية المركزية، وهي الأولى من نوعها في العراق ما بعد عام 2003.
لكن التحدي الأكبر أمام القوى المحلية التي نجحت في التفاوض مع الأحزاب السياسية المركزية والاتفاق معها على إقالة المحافظ، هل تستطيع أن تتفاوض مرة أخرى على التصويت على محافظ يتم الاتفاق عليه محلياً لا مركزياً؟
وما هي انعكاسات ما حدث في ذي قار على محافظات تم الاتفاق عليها مركزياً، أبرزها بغداد والنجف وبابل والمثنى؟
اعتقد أن فاعلية وتأثير القوى السياسية المحلية ستكون معياراً لتحديد التحالفات السياسية في الانتخابات القادمة، خاصة في محافظات شكلت فيها الأحزاب المحلية بقيادة محافظين حكومات محلية مثل البصرة وواسط وكربلاء، ومحافظة يتصاعد فيها دور القوى السياسية المحلية كذي قار…